الثلاثاء، أكتوبر 06، 2009

"هانحارب.. هنحارب إسرائيل الأرانب" .. أنا والسادس من أكتوبر

"هانحارب.. هنحارب إسرائيل الأرانب" .. أنا والسادس من أكتوبر


كتب محمود خليل:

حينما وقعت هزيمة 67 كنت فى بداية المرحلة الإبتدائية, كان الحزن يلف الوطن بأكمله وحالة من اللامبالاة والإحباط تسيطر على المواطنين, خاصة أفراد القوات المسلحة الذين كنت أشعر بمدى الضغط الذى يعيشون فيه, والعصبية التى كانت تنتابهم, وكان الشباب يعيش حالة من الضياع, وبالطبع كانت الظروف المادية صعبة جدا وكان الزواج كذلك, فمن يتخرج يتم تجنيده ولا يدرى متى يخرج من الخدمة حتى أن بعضهم قضى أكثر من سبعة أعوام فى القوات المسلحة, أما عن الأجهزة الكهربية والسيارات وحتى بعض السلع الإستهلاكية فكانت تعانى من احتكار البعض ولا تستطيع الحصول عليها إلا بالواسطة أو بالرشوة, بخلاف أزمة المساكن وأزمة المواصلات, والحالة السيئة التى وصلت إليها المرافق العامة من كهرباء ومياه وصرف صحى وتليفونات وطرق, حتى أن بعض المشروعات كأحد الكبارى مثلا بطول كيلو متر يظل العمل فيه 25 سنة كاملة, ورغم ما نعانيه من فساد ونهب وسلب هذه الأيام, فسنوات الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضى لا تقارن أبدا بما نعيشه حاليا, حيث كان الدخل القومى كله موجها إلى المجهود الحربى, وشعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" يسيطر على الساحة المصرية, ومن كان ينتقد أو يعارض كان مصيره الاعتقال, ويحبس بدون محاكمة, حتى أن البعض ظل فى السجن سنوات عديدة ولم يفرج عنه إلا بعد حرب أكتوبر, فقد نسى طوال هذه السنوات داخل المعتقل.
إذن, فسنوات حكم عبد الناصر ليس كما يدعى سدنة الناصرية ومن يرتدى قميصه لم تشهد مصر مثيلا لها من حيث الرخاء والحرية, وأن كل شىء كان متوافرا ورخيصا كما يدعون, على العكس فالشح كان ثمة سنوات حكمه فيكفى أن يعلم الشباب اليوم أنه كان لكى تشترى بوتاجاز أو تليفزيون أو ثلاجة أو سيارة كان عليك أن تحجزها وتظل سنين عديدة حتى تحصل على السيارة النصر التى كان يصل سعرها فى ذلك الوقت إلى 1800 جنيه أما السيارة الرمسيس فكان سعرها 400 جنيه إذا لم تخوننى الذاكرة  أما بوتاجاز المصانع الـ 2شعلة ونصف الذى يصل سعره إلى 48 جنيه أما الثلاجة الإيديال 8 قدم التى يصل سعرها إلى 68 جنيه أما تليفزيون نصر اللمبات الذى يصل سعره إلى 94 جنيه, أما إن كان لديك واسطة فأنت محظوظ فسوف تحصل عليها بعد الحجز بشهور قد تصل إلى عام أما إذا كانت واسطتك ضابط كبير فيمكنك الحصول عليها خلال شهر أو أكثر قليلا, أما تركيب خط تليفون فكان من رابع المستحيلات أن تحصل عليه قبل مرور عقدين من الزمان, ناهيكم عن عمليات القمع التى كانت تمارس ضد المعارضين أو المنتقدين لقرارت ناصر العروبة ومفجر الثورة. 
على أية حال, كنت فى الرابعة الإبتدائية حينما هاجم الصهاينة مصنع أبو زعبل للصناعات المعدنية, ومدرسة بحر البقر الإبتدائية بمحافظة الشرقية, وكم تأثرنا بمشاهد القتل والدمار والدماء وصور المدرسة بعد العدوان, وكراسات التلاميذ وقد غطتها دماء وأشلاء التلاميذ الذين ألقيت عليهم قنابل الصهاينة, بخلاف المصنع الذى تهدم واستشهد وأصيب الكثير من العمال وقتها, بسبب هذا العدوان الهمجى على الأبرياء من المدنيين, وحفظنا وقتها الأناشيد والأغانى التى كانت تدعو للثأر من الصهاينة, وصنع كل منا ألبوما للصور للعدوان الصهيونى على المدرسة وعلى المصنع’ وأمتلأت قلوبنا بالرغبة فى الثأر من أخواننا تلاميذ بحر البقر وأعمامنا فى مصنع بحر البقر.
فى ذلك العام أيضا كانت الحرب على أشدها بين الفلسطينيين والأردنيين وهو ما أصطلح على تسميته بـ "أيلول الأسود", وكانت أمى -رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب- تستمع وتتابع تلك الأخبار وتتأثر بها وتناقشها مع أبى, كما استولى خبر استشهاد المشير عبد المنعم رياض ثم وفاة عبد الناصر على اهتمام أسرتى الصغيرة وكانت محور النقاش مع ضيوفنا من الأقارب والجيران, فقد كانت السياسة تسيطر على المنازل فى تلك الأيام.
أما المدارس فى تلك الفترة فلم تكن بعيدة هى الأخرى عن الأحداث السياسية بل يمكن القول أنها كانت فى بؤرة الأحداث فالشحن المعنوى والوطنى والثأرى من الصهاينة كان يسيطر على الجميع بداية من تلميذ الإبتدائى وحتى المستويات العليا فى الحكومة, وكانت التربية القومية فى السبعينيات من القرن الماضى على أشدها فالشحن المعنوى أو التعبوى كان على قدر كبير من الأهمية فى تلك الأيام, ونعتقد أن تلك الفترة هى التى زرعت داخلى وداخل كل جيلى والجيل الذى سبقنا, حب البلد, حب مصر, ولا نطيق أحدا يريدها, أو يتحدث عنها بسوء, بخلاف التربية الدينية التى زرعت فينا المفهوم الدينى لحب الوطن والدفاع عنه والذود عن حدوده, حتى أننا كنا فى تلك السن الصغيرة نطلب من المسئولين الذهاب إلى الجبهة لمحاربة الصهاينة, ونخرج فى مظاهرات صبيانية بعد إنتهاء المدرسة ونردد "هانحارب.. هنحارب إسرائيل الأرانب", لقد زرعت خطب عبد الناصر "العنترية" داخلنا أن هؤلاء الصهاينة مجرد أرانب إذا ظهرنا أمامهم فسوف يفرون من أمامنا كالأرانب المذعورة, بخلاف الشعارات والهتافات الخرى وليدة اللحظة التى كنا نرددها وكانت تعبر عن حبنا للوطن ورغبتنا فى الثأر من الصهاينة.         
أما يوم السبت السادس من أكتوبر عام 73 فقد كان يوما عاديا كباقى الأيام حيث أيقظتنى أمى فى الثامنة صباحا استعدادا للذهاب إلى المدرسة, حيث قمت باستكمال كتابة الواجب المدرسى فالكهرباء لم تكن قد دخلت بعد إلى منزلنا, وكنا وقتها نذاكر حتى السابعة أو الثامنة مساء على لمبة الجاز نمرة خمسة أو نمرة عشرة, وحينما وصل ظل الشمس على الأرض إلى نقطة معينة أمام المنزل وكانت توازى الساعة العاشرة صباحا, فلم نكن وقتها نمتلك ساعة حتى نعرف منها الوقت, ورغم أنه كان لدينا راديو ترانزسستور نستمع إليه فقد كان دائم العطل ويحتاج دائما إلى تغيير البطاريات الطورش التى لم تكن تستمر أكثر من ثلاثة أيام وكان ثمن البطارية الواحدة فى ذلك الوقت خمسة قروش -حسب ما أتذكر- بينما راتب والدى وقتها لا يتجاوز -حسب ما أتذكر- أحد عشر جنيها فى الشهر, كان ينفق على متطلبات أبى وأمى وأختى وأخى وأنا بالطبع, ونشيد به منزلنا, فى ذات الوقت, فكان أبى يشترى كل شهر ألف طوب أحمر وسيارة رمل وعدد من شكائر الأسمنت ويأتى البنا ليبنى الألف طوبة وهكذا حتى أتمم أبى بناء الدور الأرضى وتم تعريشه بالبوص واكان يوما مشهودا لنا حينما قام أبى بصب خرسانة سقف حجرة واحدة, وبعد عامين أو ثلاثة تمكن والدى –رحمة الله عليه- من صب خرسانة الدور الأرضى كله, على أية حال ارتديت ملابس المدرسة وكانت عبارة عن "مريلة بيج وشنطة قماش بيج أيضا وحذاء أسود" وودعتنى أمى بدعواتها بالتوفيق ونصائحها ألا أتلكأ فى الطريق وألا أكلم أحدا أو أن يطلب منى أحد أن اذهب معه وأطيعه.
وصلت مدرستى -مدرسة شجرة مريم الإبتدائية بالمطرية- قبل الحادية عشرة قبل الظهر, سائرا على الأقدام –حوالى كيلومترين- فقد كانت هى المدرسة الإبتدائية الوحيدة فى المطرية, كانت المدرسة قد طلت زجاجها باللون الأزرق, مثل باقى المبانى الحكومية ومنازل الأهالى التى طلى زجاجها بهذا اللون خوفا من الغارات الإسرائيلية, وأمام بوابتها بنى حائط من الطوب بارتفاع البوابة, وقد أقيمت تلك الحوائط أمام بوابات المصالح الحكومية والمنازل أيضا, حماية للأهالى من شظايا القنابل فى حالة وقوع غارات إسرائيلية.
دخلت المدرسة فى الحادية عشرة إلا ربع فقد كنت ضمن تلاميذ الفترة المسائية, وبعد دقائق دق جرس المدرسة إيذانا ببدء الطابور, انتظمنا فى الطابور ووقف كل مدرس ومدرسة أمام طابور فصله, وتم تأدية التمام منهم للناظر بعد أن قام كل مدرس ومدرسة فصل بالمرور على تلاميذ فصله وتأكد كل منهم أن أظافرنا مقصوصة وشعورنا محلوقة, ونظيفة, وأحذيتنا لامعة, ومرايلنا مكوية, ثم أستمعنا إلى القرآن الكريم ثم أخبار الصباح ثم تحية العلم, ثم كلمة الناظر, الذى أعطى الأذن ببدء التحرك إلى الفصول على وقع طبلة "الطرمبيطة".
بدأنا الحصة الأولى وسارت الأمور على طبيعتها إلى أن صدرت تعليمات أثناء الحصة الثانية لمغادرة المدرسة وقالوا لنا: "يالا.. مرواح", بالطبع فرحنا أننا سوف "نروح", ولن نستكمل اليوم الدراسى الذى كان ثقيلا علينا كتلاميذ بسبب "الحبسة" فى الفصل وأداء الواجب و"نسميع" المحفوظات وجدول الضرب, وفى الشارع لاحظت أن شيئا غير طبيعى فالسيارات التى تحمل الموظفين تنتشر فى الشارع, والحركة غير مألوفة, وسمعت وأنا أسير من ميدان المطرية إلى منزلى على مسيرة كيلومترين همهمات بين الناس عن "قيام" الحرب, وخليط من الفرحة والقلق يعلو وجوه الناس.
وصلت المنزل ووجدت والدى فرحانا يستمع إلى الراديو وقد أغرورقت عيناه بالدموع وكان يردد مع كل بيان تذيعه الإذاعة "الله أكبر الله أكبر, ربنا ينصركم, ربنا ينصرك يا أنور, ربنا ينصرك يا ريس", ولم ينقطع الراديو عن منزلنا فقد ظل "شغالا" ليل نهار لمتابعة البيانات العسكرية التى تذيعها القيادة العامة للقوات المسلحة عن عبورنا قناة السويس وانتصاراتنا فى سيناء, وكنا نخرج لنرى على ما يبدو أنها كانت مدفعية مضادة للطائرات, كانت وضعت على أعلى عمارة فى المنطقة, وكانت تبلغ سبعة أدوار, وكنا نرى ومضات النيران وهى تطلق قذائفها, حماية لشركات البترول, فقد كنا قريبين من منطقة مسطرد التى تم نقل عدد من شركات البترول إليها بعد عدوان 67 خوفا من أن تطولها طائرات الصهاينة ومن بين هذه الشركات شركة أنابيب البترول ومصر للبترول والخزف والصينى -التى كان يعمل بها أبى- والنصر للزجاج وغيرها, وكلها أقيمت على أراضى من أخصب وأجود الأراضى الزراعية, فالبناء على الراضى الزاعية بدأ من عهد عبد الناصر الذى بنى هذه المصانع على تلك الأراضى بينما كان يمكنه إقامتها فى الصحراء ولكنه برر ذلك وقتها أن بناء تلك المصانع على الرقعة الزراعية كان بمثابة التمويه على العدو الصهيونى وحتى تكون وسط مناطقمدنية مأهولة بالسكان فترتدع إسرائيل عن مهاجمتها ولكنها لم ترتدع وقصفت مدرسة بحر البقر ومصنع أبى زعبل.
لم ننم ليلتها إلا قرب الفجر ومنذ الصباح الباكر أيقظنا والدى وطلب منى شراء الجرائد وخرجت أشترى الجريدة وسرت اكثر من ثلاثة كيلومترات أبحث عن بائع الجرائد ولكن الجرائد نفدت بعد صدورها بدقائق فسرت أكثر من كيلومترين آخريين وأخيرا وجدت الأهرام والأخبار وعدت بهما إلى المنزل وكأننى أحمل كنزا, وكان سعر الجريدة وقتها خمسة مليمات والطريف أن الناس فى الطريق كانت تطلب منى أن تشترى الجريدة بقرش صاغ وبعضهم طلب أن يشتريها بنصف فرنك أى قرشين ونصف ولكننى رفضت وأطبقت على الجريدتين يداى خوفا أن يخطفهما أحدا منى.
سارت الأمور هكذا طوال الحرب أشترى الأهرام والأخبار أو أحدهما ورغم أننى كنت فى السادسة الإبتدائية فقد كنت اقرأ الجرائد كلها وخاصة الرسائل الصحفية التى كان ينقلها المراسلون الحربيون من الجبهة وتحمل أحاديث مع الجنود والقادة وأخبار الأسرى والعمليات البطولية التى يقوم بها الجنود ضد الصهاينة على أرض سيناء الطاهرة, وكم تهللت حينما قرأت قصة الجندى محمد المصرى الذى كان أول من رفع العلم المصرى على الضفة الشرقية للقناة وكذلك قصة أسر الجنرال الإسرائيلى عساف ياجورى قائد كتيبة دبابات صهيونية وأفراد كتيبته على يد ضابط مصرى بسلاحه الشخصى فقط, فقد كان الصهاينة من شدة القتال وبأس الجدنى المصرى يطلبون الاستسلام للجنود المصريين رغم تسليحهم البسيط ولكن الله سبحانه وتعالى ألقى فى قلوبهم الرعب حتى خيل للجنود الصهاينة –حسب رواية أحد الجنود الصهاينة- أن الجنود المصريين كان وحوشا ويحملون أسلحة فتاكة.

كانت الفرحة تعم الجميع فى الشوارع والمدارس والمصانع وحالة الحب بين الناس كانت واضحة جدا, الجميع تعلو وجهه فرحة وعلامات النصر, وكانت التحية المعتادة بين الناس بعضهم البعض فى تلك الأيام هى "صباح النصر", "صباح العبور", ولمدة أسبوع كامل أو عشرة أيام لم تسجل أقسام الشرطة بلاغا واحدا أو حادث سرقة واحد, فكان هذا الأسبوع أسعد أيام الداخلية المصرية فلم يدخل مواطن واحد أى قسم شرطة على مستوى الجمهورية, وعدنا إلى المدرسة بعد حوالى عشرة أيام إجازة, وكنا نحفظ ونغنى ونردد الأناشيد والأغانى الوطنية التى كانت تذيعها الإذاعة, وكنا نكتب تلك الأغانى فى كراسات الموسيقى, ومما نشرته الجرائد كون كل تلميذ وتلميذة ألبوما من الصور لمشاهد الحرب, ضمن حصص النشاط, والتى كانت تحفل المدارس بها فى ذلك الوقت وكانت تلك الحصص نتدرب فيها على الموسيقى والرسم والزراعة والتدبير
المنزلى والرياضة والإسعافات الطبية والجوالة, وما زلت احتفظ ببعض كراسات النشاط هذه حتى اليوم, مثلما احتفظ بما كتبته من أناشيد وأغانى كنا نرددها فى تلك الأيام, مثل "ع الربابة, عبرنا الهزيمة, يا محنى ديل العصفورة, الله أكبر, محمد أفندى رفع العلم, عاش اللى قال, خلى السلاح صاحى", وغيرها من الأغانى التى ما زالت تعيش فى وجدانى ووجدان من عاصر تلك الفترة وحتى الأجيال التى لم تعش تلك الأيام تستمتع بها, وإن كنت أعتقد أنه ليس بذات الروح التى كنا نرددها عام 73, وكلما أردت تذكر تلك الأيام عدت إلى تلك الكراسات, فهى تعود بى إلى أيام من الصعب أن تتكرر إلا كل عدة أجيال, أنها أيام العزة والنصر والفخار والكرامة, التى يجب على الأجيال التى لم تعاصرها أن "تتمنى" أن تكون عاصرت تلك الأيام التى عاصرها جيلنا, وتفاعل معها بكل كيانه ووجدانه, وشعر فيها بنشوة النصر, ورفع العلم المصرى على أرضنا المحررة من الدنس الصهيونى.

الأحد، سبتمبر 13، 2009

لماذا لا توجه حماس رصاصاتها صوب الإسرائيليين؟

لماذا لا توجه حماس رصاصاتها صوب الإسرائيليين؟

كتب محمود خليل:
يظل السؤال الحائر دائما, فى عقول الكثير من المصريين, والعرب, لماذا لا تحاول حماس تحرير فلسطين والقصي, ولماذا لا تقوم بمحاولة جادة بالحرب على إسرئايل, وتكتفى بـ "جر شكل" الصهاينة, حتى يقوم الجيش الإسرائيل بدك غزة على رؤوس سكانها, فى حين يهرب الحنساويون إلى الخنادق أو إلى إسرائيل او قطر أو جنوب لبنان أو سوريا.
وقد كتب روبرت فيسك, هذا المقال فضح فيه حماس وقياداتها وأجاب على هذا السؤال اللغز.
وهذا نص المقال:
خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كنت أجلس في مكاتب تلفزيون 'المنار' التابع لحزب الله في بيروت، أشاهد صور جنازة أحد أفراد الميليشيات في غزة، التلفزيون أظهر لنا أعدادا غفيرة من حماس وفتح يودعون آخر 'شهيد' لهم بإطلاق آلاف الرصاصات في الهواء، لاحظت بجانبي أحد أعضاء حزب الله، كنت أعرف أنه شارك في عدة هجومات ضد إسرائيليين فيما كان يعرف بالمنطقة المحتلة في جنوب لبنان، كان يهز رأسه بأسى!
سألته عن رأيه؟
أجاب: 'حماس تحاول مواجهة إسرائيل' وهنا نظر إلى السقف وواصل 'إنهم يهدرون الذخيرة يطلقونها في السماء يجب عليهم إطلاقها على الإسرائيليين'.
ما كان يقصده بالطبع هو أن حماس تفتقد الانضباط، الانضباط الحديدي الأمني الغير مهادن من النوع الذي استطاع 'حزب الله' سبكه في لبنان وهو الانضباط الذي أدى بالإسرائيليين للإعتراف به في جنوب لبنان في 2006، البنادق أسلحة وليست أدوات لعب تستخدم في الجنائز.
ولكن غزة ليست جنوب لبنان، وقد يكون من صالح الطرفين تذكر ذلك.
حماس ليست حزب الله، والقدس ليست بيروت، والإسرائيليون لن يستطيعوا الانتقام والثأر لهزيمتهم في لبنان في سنة 2006 بالهجوم على حماس في غزة أو فقط لمجرد تمكين السيدة ليفني من الفوز في الانتخابات.
ليس الأمر في أن حزب الله حقق ذلك 'النصر الإلهي' الذي يدعيه منذ سنتين.
كنت أتجول بالسيارة بجنوب لبنان عبر الطرق المدمرة في الوقت الذي حطم فيه الإسرائيليون البنية التحتية للبلاد وقتلوا أكثر من ألف لبناني – تقريبا كلهم من اللبنانيين- وحطمت العشرات من القرى، لم أشعر أن هذا 'نصرا' لحزب الله، دينيا أو غير ذلك، ولكن الإسرائيليين لم يكسبوا الحرب كذلك، لقد تمكن حزب الله من نشر ألاف الصواريخ ذات المدى الطويل، ونالوا من سفينة حربية إسرائيلية وأشعلوا النيران فيها وكادت أن تغرق.
 'حماس' ليس عندها ما يماثل ذلك من ترسانات. ولكن ليست لديها الانضباط الذاتي للقتال كجيش، حزب الله في لبنان استطاع أن يطهر إقليمه من الجواسيس، حماس مثلها مثل كل المنظمات الفلسطينية موبوءة بالجواسيس، بعضهم يعمل لحساب السلطة الفلسطينية، وآخرين لحساب إسرائيل، التي تمكنت من اغتيال قادة حماس الواحد بعد الآخر بفضل الجواسيس فيما يسمى بعمليات 'القتل المستهدف' وفق صياغتهم المهذبة. لم يكن الإسرائيليون بقادرين على ذلك بدون 'المساعدة الداخلية' كما قد تقول الشرطة.
منذ أكثر من عشر سنوات تم اغتيال أمين عام حزب الله في حينه، السيد عباس الموسوي بالقرب من جمشيت بواسطة صاروخ أطلق من هليكوبتر إسرائيلية ولكن الحركة لم تتعرض لخسارة قائد واحد منها بعدها.
خلال حرب 2006 خسر حزب الله حوالي 200 من رجاله، حماس خسرت هذا العدد في اليوم الأول فقط من الغارات الجوية على غزة، هذا لا يثمن عاليا كفاءة الاحتياطات العسكرية التي اتخذتها حماس.
إسرائيل، الجاهزة دوما للتبشير، وبعجالة، بالسحق الوشيك 'للإرهاب' لم تنتصر أبدا في أي حرب دارت رحاها في مدينة. سواء كانت بيروت أو غزة، وذلك منذ انتصارها في القدس بسنة 1967.
ومن المهم لنا تذكر أن الجيش الإسرائيلي المشهور بأغانيه وأساطيره عن 'طهارة أسلحته' ووحداته 'النخبوية' أصبح الآن جيشا من الدرجة الثالثة خلال السنوات الأخيرة الماضية.
الجيش الإسرائيلي لم ينتصر أبدا في أي حرب بالشرق الأوسط منذ تلك التي دارت في سنة 1973، غزوها للبنان في سنة 1982 انتهى بكارثة، أخرجت ياسر عرفات من بيروت ولكن سمحت لحلفائها الأصلاف من الكتائب اللبنانية بالدخول إلى مخيمي صبرا وشاتيلا حيث ارتكبوا المجازر الجماعية، ولم يفوزوا في سنة 1991 عندما قصفوا لبنان ولا في سنة 1996 عندما قصفوه مجددا حيث قاموا بمذبحة في قانا بقتل اللاجئين فيها، ولم يكن أداء الجيش الإسرائيلي في سنة 2006 سوى أداء هواة حروب.
لو لم تكن جيوش العرب أكثر رداءة من الإسرائيليين، لكانت دولة إسرائيل فعلا تحت تهديد حقيقي من جيرانها.
العامل المشترك في حروب الشرق الأوسط هو مقدرة المتحاربين على المعاناة من 'إيهام الذات الجماعي'، فوعود إسرائيل 'باستئصال الإرهاب من جذوره' سواء كان ذلك 'الإرهاب' منظمة التحرير أو حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو الإيراني أو أي نوع آخر، كانت دائما وعودا زائفة على أرض الواقع.
وعيد وزير الدفاع الإسرائيلي، أيهود باراك لغزة 'بالحرب إلى نهايتها المريرة' وعيد زائف، تماما مثل وعود منظمة التحرير وحماس وحزب الله 'بتحرير' القدس، مجرد محلول غسيل عيون!
ولكن الإسرائيليين لديهم ميل خطير يدفعهم لتصديق مزاعمهم ودعاياتهم، لقد استدعوا ستة آلاف من جنود الاحتياط وأجلسوهم عند أسوار غزة، هذا شيء، أما دفعهم إلى مستنقعات غزة فشيء آخر تماما.
في سنة 2006، ادعت إسرائيل بأنها تدفع بثلاثين ألف جندي إلى لبنان، ولكن في الواقع لم تدفع إلا بثلاثة آلاف وفي لحظة عبورهم حدود لبنان وقف لهم حزب الله بالمرصاد، في بعض الحالات هرع الجنود الإسرائيليون هاربين داخل حدودهم.
هذه حقائق.
احتمالات الحرب تظل مع ذلك غير قابلة للتوقع بسهولة، إذا ما استمرت إسرائيل بدون توقف في قصفها الجوي ذو المليار الدولار على غزة، ونحن جميعا نعرف من يسدد الفواتير!
سيكون هنالك في مرحلة ما، مجزرة، مدرسة أو مستشفى أو عيادة توليد أو 'قانا' أخرى، وعند هذه النقطة، سترد على أسماعنا القصة إياها: بأن حماس دمرت المستشفى أو المدرسة أو عيادة التوليد وبأن الصحفيين الكارهين لليهود هم من يكتبون التقارير عن 'مجزرة'، وبأن إسرائيل تحت التهديد... الخ.
قد يرد على أيضا أسماعنا المقارنة بإحدى غارات السلاح الملكي البريطاني في الحرب العالمية الثانية، مقارنة
سخيفة بالطبع، استعملها كل من مناحم بيجين وبنيامين نتانياهو خلال ربع القرن الماضي لتبرير مقتل المدنيين، بما يعني لقد فعلتموها أنتم... لماذا تلومونا إذن؟..
وحماس، التي تجد الشجاعة للإقرار بقتل فتاتين فلسطينيتين بأحد صواريخها، سوف تقوم بجني الأرباح من الحزن عن طريق الإعلام بجرائم الحرب و'الإبادة الجماعية'.
عند هذه النقطة، سيأتي "حمار" الأمم المتحدة المعاق والمحتقر، يتهادى كأعرج لإنقاذ الجيش الإسرائيلي ومعه حماس من هذه الحرب الصغيرة القذرة.
بالطبع، قد تقوم عقول أكثر رشدا بإنهاء الكارثة.. ولكني أشك في ذلك!

العنوان الأصلى للمقال:

إيهام الذات لدى الطرفين 

لماذا لا توجه حماس رصاصاتها صوب الإسرائيليين؟

لماذا لا توجه حماس رصاصاتها صوب الإسرائيليين؟

كتب محمود خليل:
يظل السؤال الحائر دائما, فى عقول الكثير من المصريين, والعرب, لماذا لا تحاول حماس تحرير فلسطين والقصي, ولماذا لا تقوم بمحاولة جادة بالحرب على إسرئايل, وتكتفى بـ "جر شكل" الصهاينة, حتى يقوم الجيش الإسرائيل بدك غزة على رؤوس سكانها, فى حين يهرب الحنساويون إلى الخنادق أو إلى إسرائيل او قطر أو جنوب لبنان أو سوريا.
وقد كتب روبرت فيسك, هذا المقال فضح فيه حماس وقياداتها وأجاب على هذا السؤال اللغز.
وهذا نص المقال:
خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كنت أجلس في مكاتب تلفزيون 'المنار' التابع لحزب الله في بيروت، أشاهد صور جنازة أحد أفراد الميليشيات في غزة، التلفزيون أظهر لنا أعدادا غفيرة من حماس وفتح يودعون آخر 'شهيد' لهم بإطلاق آلاف الرصاصات في الهواء، لاحظت بجانبي أحد أعضاء حزب الله، كنت أعرف أنه شارك في عدة هجومات ضد إسرائيليين فيما كان يعرف بالمنطقة المحتلة في جنوب لبنان، كان يهز رأسه بأسى!
سألته عن رأيه؟
أجاب: 'حماس تحاول مواجهة إسرائيل' وهنا نظر إلى السقف وواصل 'إنهم يهدرون الذخيرة يطلقونها في السماء يجب عليهم إطلاقها على الإسرائيليين'.
ما كان يقصده بالطبع هو أن حماس تفتقد الانضباط، الانضباط الحديدي الأمني الغير مهادن من النوع الذي استطاع 'حزب الله' سبكه في لبنان وهو الانضباط الذي أدى بالإسرائيليين للإعتراف به في جنوب لبنان في 2006، البنادق أسلحة وليست أدوات لعب تستخدم في الجنائز.
ولكن غزة ليست جنوب لبنان، وقد يكون من صالح الطرفين تذكر ذلك.
حماس ليست حزب الله، والقدس ليست بيروت، والإسرائيليون لن يستطيعوا الانتقام والثأر لهزيمتهم في لبنان في سنة 2006 بالهجوم على حماس في غزة أو فقط لمجرد تمكين السيدة ليفني من الفوز في الانتخابات.
ليس الأمر في أن حزب الله حقق ذلك 'النصر الإلهي' الذي يدعيه منذ سنتين.
كنت أتجول بالسيارة بجنوب لبنان عبر الطرق المدمرة في الوقت الذي حطم فيه الإسرائيليون البنية التحتية للبلاد وقتلوا أكثر من ألف لبناني – تقريبا كلهم من اللبنانيين- وحطمت العشرات من القرى، لم أشعر أن هذا 'نصرا' لحزب الله، دينيا أو غير ذلك، ولكن الإسرائيليين لم يكسبوا الحرب كذلك، لقد تمكن حزب الله من نشر ألاف الصواريخ ذات المدى الطويل، ونالوا من سفينة حربية إسرائيلية وأشعلوا النيران فيها وكادت أن تغرق.
 'حماس' ليس عندها ما يماثل ذلك من ترسانات. ولكن ليست لديها الانضباط الذاتي للقتال كجيش، حزب الله في لبنان استطاع أن يطهر إقليمه من الجواسيس، حماس مثلها مثل كل المنظمات الفلسطينية موبوءة بالجواسيس، بعضهم يعمل لحساب السلطة الفلسطينية، وآخرين لحساب إسرائيل، التي تمكنت من اغتيال قادة حماس الواحد بعد الآخر بفضل الجواسيس فيما يسمى بعمليات 'القتل المستهدف' وفق صياغتهم المهذبة. لم يكن الإسرائيليون بقادرين على ذلك بدون 'المساعدة الداخلية' كما قد تقول الشرطة.
منذ أكثر من عشر سنوات تم اغتيال أمين عام حزب الله في حينه، السيد عباس الموسوي بالقرب من جمشيت بواسطة صاروخ أطلق من هليكوبتر إسرائيلية ولكن الحركة لم تتعرض لخسارة قائد واحد منها بعدها.
خلال حرب 2006 خسر حزب الله حوالي 200 من رجاله، حماس خسرت هذا العدد في اليوم الأول فقط من الغارات الجوية على غزة، هذا لا يثمن عاليا كفاءة الاحتياطات العسكرية التي اتخذتها حماس.
إسرائيل، الجاهزة دوما للتبشير، وبعجالة، بالسحق الوشيك 'للإرهاب' لم تنتصر أبدا في أي حرب دارت رحاها في مدينة. سواء كانت بيروت أو غزة، وذلك منذ انتصارها في القدس بسنة 1967.
ومن المهم لنا تذكر أن الجيش الإسرائيلي المشهور بأغانيه وأساطيره عن 'طهارة أسلحته' ووحداته 'النخبوية' أصبح الآن جيشا من الدرجة الثالثة خلال السنوات الأخيرة الماضية.
الجيش الإسرائيلي لم ينتصر أبدا في أي حرب بالشرق الأوسط منذ تلك التي دارت في سنة 1973، غزوها للبنان في سنة 1982 انتهى بكارثة، أخرجت ياسر عرفات من بيروت ولكن سمحت لحلفائها الأصلاف من الكتائب اللبنانية بالدخول إلى مخيمي صبرا وشاتيلا حيث ارتكبوا المجازر الجماعية، ولم يفوزوا في سنة 1991 عندما قصفوا لبنان ولا في سنة 1996 عندما قصفوه مجددا حيث قاموا بمذبحة في قانا بقتل اللاجئين فيها، ولم يكن أداء الجيش الإسرائيلي في سنة 2006 سوى أداء هواة حروب.
لو لم تكن جيوش العرب أكثر رداءة من الإسرائيليين، لكانت دولة إسرائيل فعلا تحت تهديد حقيقي من جيرانها.
العامل المشترك في حروب الشرق الأوسط هو مقدرة المتحاربين على المعاناة من 'إيهام الذات الجماعي'، فوعود إسرائيل 'باستئصال الإرهاب من جذوره' سواء كان ذلك 'الإرهاب' منظمة التحرير أو حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو الإيراني أو أي نوع آخر، كانت دائما وعودا زائفة على أرض الواقع.
وعيد وزير الدفاع الإسرائيلي، أيهود باراك لغزة 'بالحرب إلى نهايتها المريرة' وعيد زائف، تماما مثل وعود منظمة التحرير وحماس وحزب الله 'بتحرير' القدس، مجرد محلول غسيل عيون!
ولكن الإسرائيليين لديهم ميل خطير يدفعهم لتصديق مزاعمهم ودعاياتهم، لقد استدعوا ستة آلاف من جنود الاحتياط وأجلسوهم عند أسوار غزة، هذا شيء، أما دفعهم إلى مستنقعات غزة فشيء آخر تماما.
في سنة 2006، ادعت إسرائيل بأنها تدفع بثلاثين ألف جندي إلى لبنان، ولكن في الواقع لم تدفع إلا بثلاثة آلاف وفي لحظة عبورهم حدود لبنان وقف لهم حزب الله بالمرصاد، في بعض الحالات هرع الجنود الإسرائيليون هاربين داخل حدودهم.
هذه حقائق.
احتمالات الحرب تظل مع ذلك غير قابلة للتوقع بسهولة، إذا ما استمرت إسرائيل بدون توقف في قصفها الجوي ذو المليار الدولار على غزة، ونحن جميعا نعرف من يسدد الفواتير!
سيكون هنالك في مرحلة ما، مجزرة، مدرسة أو مستشفى أو عيادة توليد أو 'قانا' أخرى، وعند هذه النقطة، سترد على أسماعنا القصة إياها: بأن حماس دمرت المستشفى أو المدرسة أو عيادة التوليد وبأن الصحفيين الكارهين لليهود هم من يكتبون التقارير عن 'مجزرة'، وبأن إسرائيل تحت التهديد... الخ.
قد يرد على أيضا أسماعنا المقارنة بإحدى غارات السلاح الملكي البريطاني في الحرب العالمية الثانية، مقارنة سخيفة بالطبع، استعملها كل من مناحم بيجين وبنيامين نتانياهو خلال ربع القرن الماضي لتبرير مقتل المدنيين، بما يعني لقد فعلتموها أنتم... لماذا تلومونا إذن؟..
وحماس، التي تجد الشجاعة للإقرار بقتل فتاتين فلسطينيتين بأحد صواريخها، سوف تقوم بجني الأرباح من الحزن عن طريق الإعلام بجرائم الحرب و'الإبادة الجماعية'.
عند هذه النقطة، سيأتي "حمار" الأمم المتحدة المعاق والمحتقر، يتهادى كأعرج لإنقاذ الجيش الإسرائيلي ومعه حماس من هذه الحرب الصغيرة القذرة.
بالطبع، قد تقوم عقول أكثر رشدا بإنهاء الكارثة.. ولكني أشك في ذلك!

العنوان الأصلى للمقال:

إيهام الذات لدى الطرفين 

السبت، أغسطس 29، 2009

ربنا ينتقم منك يا حكومة

ربنا ينتقم منك يا حكومة

كتب محمود خليل:                   
ذهبت كالعادة لاستلام حصتى التموينية من البقال التموينى التابع له وهناك وجدت "لمة" حول المحل وسيدة عجوز تكاد تبكى وهو تطالب البقال بتغيير حصتها من الأرز -أربعة أكياس وفى صينية وضعت كيسا أخر- تحاول اقناع البقال أن يراه ويفحصه جيدا ليرى ما به من دود وسوس وحشرات دقيقة وحشرات أخرى سوداء.
السيدة تستعطفه بصوت مخنوق ضعيف: يا بنى غير لى الرز أو ادينى حقه دا مليان سوس وحشرات ودود زى ما أنت شايف وأنا مابقتش أشوف كويس عشان أنقيه من الحشرات دية.
البقال: يا ستى أنا ماليش دعوة أنتى خدتى الرز ومشيتى ما اعرفكيش بعد كده إذا كان الرز مش عاجبك ما تبقيش تخديه بعد كده.
السيدة: يعنى أيه.. أجيب منين عشان اشترى الكيلو من بره باربعة ولا خمسة جنيه.
البقال: يا ستى ده الرز اللى بتجيبه الحكومة أنا مش زارعه فى أرضى.
السيدة: طيب يا بنى اعمل معروف أدينى حق الاكياس اللى مفتحتهاش.
البقال:عندك الحكومة روحى اشكينى لها وعندك وزارة التضامن روحى قولى للوزير الكلام ده أديله الاكياس وخدى حقهم منه.
السيدة: تضامن مين ووزير مين يابنى هوه باعرف اتحرك دا أنا جايالك بالعافية.
البقال: ياستى ده أخر كلام عندى ياللا بقه خلينى أشوف شغلى.
السيدة: ليه كده يا حكومة هوه أحنا ناقصين مرض.
تلقى السيدة بأكياس الأرز بجانب الحائط وهو تردد روحى يا حكومة منك لله إلهى ما تكسبى أبدا.
السيدة المصرية تتعامل مع الحكومة وكأنها شخص ولا تدرى إنها كيان افتراضى يضم أشخاص عديدون يسمون وزراء وكل وزير يسيطر على جزء من البلاد والمفروض يديره لصالح الشعب.
رفضت استلام حصتى التموينية وعدت إلى المنزل ورويت لزوجتى ما حدث بين السيدة والبقال فقالت لى: السيدة فعلت ما أفعله كلما دخلت المطبح لطهى الطعام فالأرز بالفعل ملىء بالدود والحشرات السوداء والدقيقة وأظل أنقيه فترة طويلة وأغسله بأكثر من عشرة أضعاف المياه التى أغسل به الأرز العادى والأدهى من ذلك إن المياه لا تكون صافية أبدا رغم مرات الغسيل الكثيرة بل إن الأرز بعد تصفيته بالمصفاة تجد حوالى خمس الكيس عبارة عن حبات أرز دقيقة جدا كأنها دقيق.
قلت لزوجتى: أى إن الحكومة حتى توفر بضعة ملايين من الجنيهات وتعطى الشعب أرز درجة رابعة أو خامسة تهدر ملايين مضاعفة مقابل ذلك فالمياه التى يغسل بها أرز التموين يمثل عشرة أضعاف الماء الذى يستهلك لغسل الأرز العادى بخلاف الهالك من كل كيلو ناهيك عن الأمراض التى تنتج من تناول الشعب لهذا الأرز واستهلاك أدوية بملايين الجنيهات لعلاج تلك الأمراض بخلاف إن المرض سينتج عنه أجازات والأجازات تعطيل للعمل وتعطيل العمل ينتج عنه ضعف فى الإنتاج القومى.. أما الأخطر فهو تذمر الشعب من الحكومة وعدم رضاه عن الحياة فى مصر مما يعنى فقدان الأنتماء للبلد وعدم الأنتماء يعنى انتهاز أى فرصة للانتقام من البلد ممثلا فى الممتلكات العامة ناهيك عن دعاء الشعب على الحكومة ونحن نرى إن هذا الدعاء لن يضيع هدرا فالله سبحانه وتعالى سميع قدير لا يرضى بالظلم ففشل الحكومات المتعاقبة فى حل مشاكل البلاد والأزمات التى تمر بنا من حين إلى أخر نعتقد بكل يقين إنها نتيجة هذا الدعاء وإن كان البعض يهون منه ولا يعتقد أن له دخلا فيما تمر به البلاد فهذا ضعف إيمان وتكبر واستكبار على المولى عز وجل.
قالت زوجتى: هل تصدق إننى وكل من أعرفه حينما يصلين الفجر أو أى صلاة أخرى ندعو على الحكومة مثلما دعت تلك السيدة التى رويت لى قصتها مع البقال.
قلت: ولماذا؟
قالت: الخضروات والفاكهة والأسماك واللحوم والدواجن والمعلبات والجبن كلها صارت فاسدة بلا طعم وبدون فائدة غذائية.
قلت: كيف؟
قالت: لحظة واحدة .. تركتنى زوجتى وذهبت إلى المطبخ وجاءت وفى يدها طبق به خضروات وفاكهة وجبن وقالت: أمسك قرن الفلفل فأمسكته فإذا به وقد تحلل ومثلة ثمرة العنب والجوافة وأما الجبن فقد انتشرت عليه مادة لزجة سوداء.
قالت: لقد وضعت هذه الخضروات والفاكهة منذ ثلاثة أيام فقط.
قلت لها منزعجا: وهل هذا ما نأكله من يديك؟ 
قالت: لا بالطبع فأنا أنظف الجبن وأقشط ما فسد منه ومن الخضروات والفاكهة وأنظفه بالماء عدة مرات.
قلت: مرة أخرى إهدار فى المحاصيل والماء يا الله أين الحكومة لترى المصيبة والكارثة التى نعانى منها ويعانى منها الشعب والنتيجة خسائر بملايين الجنيهات كل عام.
قالت: ألم تسمع الحكومة وهى تنادى بتحديد النسل أو تنظيمه لإن الشعب زاد عدده عن إمكانيات الحكومة؟
قلت: الزيادة السكانية لا دخل لها فيما نحن فيه ونعانيه فدول مثل الصين واليابان والهند وأندونيسيا وغيرها لا تمتلك الإمكانيات التى نمتلكها وعدد سكانها أكبر من عدد السكان فى مصر ورغم ذلك لا يعانون مما نعانى بل كل شىء هناك يسير بشكل عادى ولم يشك أحدا هناك من الزيادة السكانية ولم يشك أحدا من فساد الخضروات والفاكهة والأغذية بشكل عام مثلما نعانى فى مصر.
قالت: هل ترى إن هناك مؤامرة للتخلص من الشعب المصرى؟.
قلت: لا أخفى سرا إننى بدأت أشك فى تلك المؤمراة وقد لا يكون الأمر مؤامرة بالمعنى المفهوم ولكنها سياسة تجويع الشعب وإلهاؤه فى لقمة عيشه حتى لا يفكر فى أى شىء أخر.
قالت: هل تقصد السلطة؟.
قلت: ليست السلطة فقط ولكن أن يفكر الشعب من وجهة نظر الحكومة فهذا شىء خطير!!.. رغم إن الشعب إذا عاش عيشة "مرتاحة" ووجد كل شىء متاح وبصورة جيدة فسوف ينتج بل سيدعو للحكومة بدلا من الدعاء عليها وسيطالبها بالبقاء أما إن الشعب يظل يعانى من كل شىء حتى فى لقمة العيش فإنه سيفكر فى ضرورة الانقلاب عليها أو التشجيع على ذلك أو الدعاء أن يتم ذلك وبأسرع وقت ولهذا كلما وجدت الشعب يشكو ويعانى أضع يدى على قلبى وأقول استرها يا رب.
قالت: الستر نعمة لا يعرفها إلا من عاشها ومن فقدها أيضا ولولا الستر ما كنا نستطيع توفير حاجياتنا وحاجات أولادنا الأساسية.
قلت: نعم بكل تأكيد ولكن الحكومة لا تعرف معنى الستر وأهمية أن تستر الشعب وتجعله لا يتسول لقمة عيش نظيفة وكوب ماء نقى وشمة هواء نظيف ومواصلة مريحة نظيفة ومسكن صحى آمن ومستقبل مضمون فسترها للشعب سيرتد عليها سترا لها من الله سبحانه وتعالى من الفضائح والأزمات والمشكلات ويغنيها عن الطمع فى مال الشعب.
قالت: يارب استرنا ولا تفضحنا.

وبغير شعور وجدت نفسى أردد ما قالته السيدة: ربنا ينتقم منك يا حكومة إلهى ما تكسبى أبدا ياللى أكلتينا الرز بدوده وسوسه والخضار والفاكهة اللى اتروت بمية المجارى والفراخ الفاسدة واللحمة المسرطنة والدقيق الفاسد والسمك الملوث يااااارب اللهم استر من سترنا وأفضح من فضحنا وانتقم من الحكومة بحق هذا الشهر الكريم.

السبت، أبريل 11، 2009

العربي في الأدب الفارسي يأكل الجراد مثلما يشرب كلب أصفهان المياه المثلجة

ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب
العربي في الأدب الفارسي يأكل الجراد مثلما يشرب كلب أصفهان المياه المثلجة
الأدباء الإيرانيون يسخرون من العرب واصفين إياهم بـ «المتوحشين» والقساة
والمتعطشين للدماء والموبوءين والقذرين والبشعين وأصحاب «الجلود السوداء»
ويرونهم حفنة من آكلي السحالي الحفاة العراة والبدو الذين يقطنون الصحراء
ايران التى أصبحت مسلمة لم تتعرب وتسعى إلى فصل الإسلام عن جذوره العربية


كتب محمود خليل:
يقول الكاتب عبده وازن "لطالما عرفت صورة العربي في الأدب الفارسي والإيراني، القديم والحديث، حالاً من الالتباس والتناقض تبعاً لارتباط هذه الصورة بما يمكن تسميته «الخلفية» السياسية والدينية. وبرزت صورة العربي في الأدب الفارسي الحديث بصفتها وجهاً من وجوه مسألة «الذات» الايرانية متجلية في مرآة «الآخر» العربي. وقد اختار الكثير من الأدباء هذا «الآخر» العربي بمثابة قرين في قبالة «الآخر» الغربي انطلاقاً من الاشكال التاريخي الذي أحدثه الغزو العربي لايران في القرن الثاني هجري، السابع ميلادياً. هكذا بدا العربي هو «الآخر» والفارسي هو «الذات» على رغم أواصر الدين التي جمعت بينهما."
تجد الباحثة والمستشرقة الأميركية جويا بلندل سعد نفسها ملزمة، في كتابها المثير «صورة العرب في الأدب الفارسي» ازاء معالجتها هذه الصورة بأن تتناول علاقة الدين بتعريف مفهوم «الفرسنة» أو «الأرينة».
ترجم الكتاب الى الفارسية وعرف رواجاً في ايران، وهو من المحاولات المهمة لقراءة هذه العلاقة الملتبسة بين العرب والفرس. وقد يكون مفاجئاً حقاً أن تقوم بهذه الخطوة باحثة أميركية متعمقة في قضايا الأدب الايراني.
يلقي كتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» ضوءاً ساطعاً على زوايا طالما مكثت مستورة ومجهولة أو شبه مجهولة لدى القارئ العربي. وقد نجحت الباحثة فعلاً في رسم تلك «الصورة» المهتزة للشخصية العربية كما تجلت في الأدب الايراني الحديث في تناقضاتها كافة، سلباً وايجاباً. والملاحظة التي يمكن ادراجها هو أن الترجمة كان يمكنها أن تكون افضل وخلواً من الاخطاء وبعض الركاكة.
تقول الباحثة: انطلق الوعي القومي الايراني كما يقول شاه رخ مسكوب منذ الفتح الاسلامي لإيران وبني على اللغة الفارسية وتاريخ ما قبل الاسلام والحضارة القديمة. لكنّ هذا الوعي ترسخ كحركة قومية في القرن التاسع عشر وراح الوجدان القومي يتنامى أدبياً وثقافياً حتى غدت النزعة القومية «ثيمة» ملحة في الحركة الأدبية المعاصرة. وسعى الأدباء والشعراء الى البحث عن الهوية التاريخية والثقافية الايرانية والى تحديد مفهوم "الأمة" الفارسية، انطلاقاً من التنوع الاثنيّ الذي عرفته –وتعرفه– ايران من خلال« الجماعات المتعددة التي تقطنها: الاتراك الأذريون، التركمان، الاكراد، البلوش، العرب، الأرمن، الاشوريون... وراحت ترتفع أصوات تنادي بـ «الأمة الآرية النبيلة» واصفة العرب بـ «الأمة السامية». ولم يتوان روائيون وشعراء كثر عن نقد العرب ومعاداتهم و «تحقيرهم». يسمّي فاث علي أخو نزاده العرب بـ «البدو المتوحشين» الذين دمّروا حضارة ايران الساسانية والأخمينية. ويرى ميرزا آغاخان كرماني في العرب «حفنة من آكلي السحالي، الحفاة العراة والبدو الذين يقطنون الصحراء...». كانت اسطورة «العصر الذهبي» لبلاد فارس –كما يعبّر الكثيرون- التي قوضها الفتح الاسلامي حافزاً من حوافز النزعة العصبية هذه.
يقول شاه رخ مسكوب أيضاً إن ايران أصبحت مسلمة لكنها لم تتعرب. ويكتب: «كانت ايران شجرة جديدة غرست في مناخ الاسلام، لكنها شبت في تربة ذاكرتها القومية الخاصة بها». حتى ملحمة "شاهنامة" الشهيرة للفردوسي تعلن في نهايتها قدوم العرب وقضاءهم على ايران الساسانية واحتلالها، وقد صوّر هذا الشاعر القومي العرب بأنهم «قوم أقل مدنية من الفرس». وفي «سفرنامة» أو «كتاب الأسفار» لناصر خسرو (القرن الحادي عشر) تظهر صورة العربي البائس غير المتمدن مقابل الايراني المتحضر والمتنعم بالحياة.
هل ترتبط هذه النزعة الشوفينية بـ «الحركة الشعوبية» العنصرية التي ترسخت في العصرين الأموي والعباسي وعادت العرب متهمة اياهم باضطهاد «الموالي» أي من ليسوا عرباً؟ لعل اللافت هنا أن القرون الممتدة من الرابع (هـ.) الى الثامن شكلت حقبة من الاخاء الثقافي وشهدت علاقة وطيدة بين الأدب العربي والأدب الفارسي الذي راح ينهل من القرآن الكريم واللغة العربية. وسطع حينذاك نجم شعراء فارسيين كبار ما برحوا يملكون حضورهم العالمي في العصر الحديث ومنهم: عمر الخيام وسعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي... لم يظهر هؤلاء الشعراء أي عداء للعرب بل هم امتدحوا الاسلام والحضارة العربية وقد «طعّموا» بعض قصائدهم بأشطر عربية. هذه المسألة لم تشر اليها الباحثة ولم تولها اهتماماً على رغم أهميتها ونموذجيتها.
صادق هدايت والنزعة الآرية
تجلّت اذاً النزعة العصبية المعادية لـ «الآخر» العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قرن «اليقظة القومية» وبلغت ذروتها في مرحلة الثورة الدستورية ) ومرحلة الحكم البهلوي الذي أطاحت به من ثم الثورة الخمينية). ويمكن القول إن النزعة العصبية هذه برزت في مراحل ما قبل الثورة عام 1979 التي أرست مبادئ جديدة انطلاقاً من روح الاسلام. ومن الروائيين والشعراء الذين تبدت لديهم نزعة معاداة العرب أسماء كبيرة مثل صادق هدايت (الذي عرف نجاحاً عالمياً وترجمت أعماله الى لغات شتى وقد مات منتحراً في باريس.
يرى هدايت صاحب رواية «البومة العمياء» أن الايرانيين الآريين متفوقون عرقياً على العرب الساميين ويجعل من الماضي الزرادشتي مثالاً، معتبراً اياه «عصر ايران الذهبي». ولا يخفي هدايت (الذي ترجم الى العربية) حقده على العرب وكراهيته أو احتقاره لهم هم واليهود. وقد حملت قصصه وأعماله الروائية والمسرحية أشكالاً من هذا الحقد لا سيما قصة «الكلب الضال» و«العانس أبجي خانم» و «الأخ أكول» و طيف المغول» ومسرحية «بروين ابنة ساسان» اضافة الى «البومة العمياء»... في« كل هذه النصوص سخر من العرب واصفاً اياهم على نحو دائم بـ «المتوحشين» والقساة والمتعطشين للدماء والموبوئين والقذرين والبشعين وأصحاب «الجلود السوداء»، وهنا تبلغ العنصرية أوجها. ولم يوفر اليهود الذين كال لهم أبشع الصفات مصنفاً اياهم مع العرب في خانة الساميين المعادين لإيران. وكان يرى أن اصلاح الشعب الايراني يكمن في العودة الى الأصول الشرقية والى الزرادشتية.
القاص والروائي هدايت أقل حقداً على العرب من محمد علي جمال زاده لكنه أشد تعصباً لانتمائه الايراني المعاصر والإسلامي – الايراني تحديداً. وهذا ما دفعه الى السخرية مثلاً من شخصية «الملاّ» العربي في عمله السردي الشهير «الفارسية سكر» واصفاً اياه بـ «قطة بيضاء تقعد ملتوية على كيس من غبار الفحم». لم تخل قصص زاده من نزعة معاداة العرب وهو يورد بلا حرج أحد الامثال الشنيعة المضروبة ضد العرب في أحد نصوصه: «العربي في الصحراء يأكل الجراد مثلما يشرب كلب اصفهان المياه المثلجة». ويرسم صورة نافرة للعرب «المتخلفين والقساة» يستبطنها من ذاكرته الطفولية. وفي أحد نصوصه يسخر من اللغة العربية نفسها وكان تعلمها صغيراً، هذه اللغة الحافلة بـ، «الضرب» فيقول: «بات شغلنا الشاغل ليلاً ونهاراً: صفع وضرب كل من اسمه زيد وعمرو...». ويتوقف عند فعل ضربن» الذي يهزء منه فهو يشير، كما يقول، الى جمع من النساء ويقول: «في عالم« الطفولة ذاك رأيت حفنة من النسوة العربيات أحرقت الشمس وجوههن(...) يحملن عصياً طويلة من خشب الخيزران ويهاجمن بها مجموعة من الرجال الضعفاء البؤساء(...) ويضربن اياهم بوحشية وقسوة...». الا أن ما يميز زاده نظرته الى الاسلام في كونه متمماً للثقافة الايرانية واعتراضه انما هو على الاسلام غير الايراني.
يرى الروائي صادق جوباك «الآخر العربي» منافقاً ودميماً ومتوحشاً ويعتبر ان «النفاق السامي دمّر الذات الايرانية وهزمها». الا أن العرب لا يظهرون في أعماله الا عبر اشارات عَرَضية. في رواية «المصباح الأخير» يسخر من مدينة البصرة وأهلها ومما يقول: «عليك أن تحترس في البصرة وتحرص على أغراضك هناك. فحالما تدير وجهك يسرقك العرب. ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب». ويكتب جوباك في قصة «الحجر الصبور» متأسفاً على الحضارة الفارسية القديمة»: كم من الكتابات طمست؟ كم منها أحرق ودمّر على أيدي العرب والمغول؟ أين « الكتابات الساسانية؟ أين اعمال البيهيقي؟ أين مئات الأعمال الأخرى التي لا نعرف حتى اسماءها؟(...) لم يأتنا العرب بأي شي. لقد دمروا كل ما لنا».
يحتقر الشاعر مهدي أخوان ساليس العرب على طريقة صادق هدايت و «يندب» حضارة ايران القديمة التي سقطت على أيدي العرب داعياً الى المصالحة مع التاريخ العريق والى العودة الى الثقافة الزرادشتية والفكر الاصلاحي الساساني. ويتحدث عن بشاعة العرب معلناً أن «كل ما يقترن بإيران القديمة هو طاهر ونقي ومتألق...» أما الشاعر نادر نادربور فلا تخلو رؤيته من العصبية ايضاً، وفي رأيه أن الثقافة العربية تعارض «جوهر القيم الايرانية الفارسية الحقة». وفي قصيدة «هنا وهناك» تحضر صورة العرب بصفتهم «وحوشاً وغرباء متطفلين دمروا الحضارة الايرانية».
تفرد الباحثة والشاعرة طاهرة جزءاً من كتابها لما تسميه «كتابات النساء، آراء النساء» وتركز فيه على الشاعرة المعروفة فروغ فرخ زاد، والقاصة والروائية سيمين دانش فشار سفرزاده ( وغايتها من تناول هذا الأدب النسائي ابراز اختلاف هذا الأدب عن الأدب الذكوري وانكفائه على ذاته وعلى هموم المرأة بعيداً من قضية الهوية الجماعية و«الفرسنة» أو الارينة»... فشعر فروغ فرخ زاد لا يعكس النزعة القومية والتاريخية ولا يعنى « بالمشكلات السياسية. سعت هذه الشاعرة التي قضت منتحرة، الى خوض عالمها الذاتي بحثاً عن هويتها الشخصية، متطرقة في الحين عينه الى قضية اضطهاد المرأة في مجتمع ذكوري بامتياز. ولم تكن في حاجة، هي صاحبة الميول الفردانية في الحياة والشعر، الى تأسيس هوية تاريخية بصفتها ايرانية ولا الى مرآة «الآخر» العربي لترسخ ذاتها.
الشاعرة طاهرة سفر زاده أبدت اهتماماً بـ «البحث عن الذات» ولكن في الاسلام، وراحت تنقب عن الهوية الدينية ازاء أزمات المجتمع الحديث. وهي ترى الى الاسلام ديناً كونياً وتبجّل لغة القرآن الكريم بصفتها «لغة الوحي والاسلام». ويحضر العرب في نصوصها حضوراً ايجابياً ويغلب عليهم الطابع الاسلامي أكثر من الطابع العربي. لكنّ سفرزاده لا تنكر تاريخها الفارسي وهويتها الايرانية من غير أن تتعصب لهما. فمفهوم «الارينة» يوفق لديها بين العنصر الفارسي والإسلام وسائر الاثنيات. وعلى خلاف الكتاب الآخرين لا ترى سفرزاده «الغزاة» بصفتهم عرباً بل بصفتهم مسلمين جاؤوا بحقيقة الاسلام التي ستحرر الناس. وفي رأيها أن غزو العرب لإيران كان «تحرراً بحق".
الروائية سمين دانش فشار صاحبة رواية «سيا وشان» الأكثر مبيعاً في تاريخ الأدب الفارسي الحديث تحمل رؤية لايران تندرج فيها المجموعات الاثنية في سياق الثقافة الايرانية المشتركة التي تشكل كلاً واحداً. هكذا تعي فشار الاختلافات الاثنية وتقرّ بها في صفتها حقيقة على الحياد. وفي نظرها هناك عرب وآخرون ولكن ليس هناك «آخر» عربي وسواه. «الآخر» لديها هو الغرب الذي تمثّل إيرانياً في النظام البهلوي والاحتلال البريطاني خلال الحرب الثانية.
تختار الباحثة نموذجاً آخر تسميه «رجلاً في الوسط» أي ذاك الذي احتل موقعاً وسطياً بين معاداة العرب واحترامهم. انه الكاتب الإشكالي جلال آل احمد الذي ما زالت آراؤه حاضرة في ايران اليوم. معايير جلال لمفهوم النزعة الايرانية تقوم على ثلاثة عناصر: اللغة الفارسية، الثقافة الايرانية الفارسية والإسلام الشيعي. وقد يكون جمال الوحيد الذي استطاع أن يواجه التناقضات التي تحيط بمسألة الهوية الايرانية. فالإسلام في نظره جوهري في مفهوم الايرانية. لكنه لا يني يسخر من الشخصية العربية كما في قصة «الجمارك والمكوس» حيث يتحدث عن «خداع» العرب و «جشعهم» وعن كرههم للآخرين. ولا تسلم اللغة العربية من سخريته مع ايمانه بأن قيمتها تكمن في كونها لغة الدين، وقد دعا الى فصل الاسلام عن جذوره العربية. الا انه يرفض ايديولوجيا «النزعة الآرية»، مشيراً الى «شعوذة الدراسات الآرية». أما «الآخر» في نظره فهو ليس العربي بل الامبريالية الغربية.