ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب
العربي في الأدب الفارسي يأكل الجراد مثلما يشرب
كلب أصفهان المياه المثلجة
الأدباء الإيرانيون يسخرون من العرب واصفين إياهم
بـ «المتوحشين» والقساة
والمتعطشين للدماء والموبوءين والقذرين والبشعين
وأصحاب «الجلود السوداء»
ويرونهم حفنة من آكلي السحالي الحفاة العراة
والبدو الذين يقطنون الصحراء
ايران التى أصبحت مسلمة لم تتعرب وتسعى إلى فصل
الإسلام عن جذوره العربية
كتب محمود
خليل:
يقول
الكاتب عبده وازن "لطالما عرفت صورة العربي في الأدب الفارسي والإيراني،
القديم والحديث، حالاً من الالتباس والتناقض تبعاً لارتباط هذه الصورة بما يمكن
تسميته «الخلفية» السياسية والدينية. وبرزت صورة العربي في الأدب الفارسي الحديث
بصفتها وجهاً من وجوه مسألة «الذات» الايرانية متجلية في مرآة «الآخر» العربي. وقد
اختار الكثير من الأدباء هذا «الآخر» العربي بمثابة قرين في قبالة «الآخر» الغربي
انطلاقاً من الاشكال التاريخي الذي أحدثه الغزو العربي لايران في القرن الثاني
هجري، السابع ميلادياً. هكذا بدا العربي هو «الآخر» والفارسي هو «الذات» على رغم
أواصر الدين التي جمعت بينهما."
تجد
الباحثة والمستشرقة الأميركية جويا بلندل سعد نفسها ملزمة، في كتابها المثير «صورة
العرب في الأدب الفارسي» ازاء معالجتها هذه الصورة بأن تتناول علاقة الدين بتعريف
مفهوم «الفرسنة» أو «الأرينة».
ترجم
الكتاب الى الفارسية وعرف رواجاً في ايران، وهو من المحاولات المهمة لقراءة هذه
العلاقة الملتبسة بين العرب والفرس. وقد يكون مفاجئاً حقاً أن تقوم بهذه الخطوة
باحثة أميركية متعمقة في قضايا الأدب الايراني.
يلقي
كتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» ضوءاً ساطعاً على زوايا طالما مكثت
مستورة ومجهولة أو شبه مجهولة لدى القارئ العربي. وقد نجحت الباحثة فعلاً في رسم
تلك «الصورة» المهتزة للشخصية العربية كما تجلت في الأدب الايراني الحديث في
تناقضاتها كافة، سلباً وايجاباً. والملاحظة التي يمكن ادراجها هو أن الترجمة كان
يمكنها أن تكون افضل وخلواً من الاخطاء وبعض الركاكة.
تقول
الباحثة: انطلق الوعي القومي الايراني كما يقول شاه رخ مسكوب منذ الفتح الاسلامي
لإيران وبني على اللغة الفارسية وتاريخ ما قبل الاسلام والحضارة القديمة. لكنّ هذا
الوعي ترسخ كحركة قومية في القرن التاسع عشر وراح الوجدان القومي يتنامى أدبياً
وثقافياً حتى غدت النزعة القومية «ثيمة» ملحة في الحركة الأدبية المعاصرة. وسعى
الأدباء والشعراء الى البحث عن الهوية التاريخية والثقافية الايرانية والى تحديد
مفهوم "الأمة" الفارسية، انطلاقاً من التنوع الاثنيّ الذي عرفته
–وتعرفه– ايران من خلال« الجماعات المتعددة التي تقطنها: الاتراك الأذريون،
التركمان، الاكراد، البلوش، العرب، الأرمن، الاشوريون... وراحت ترتفع أصوات تنادي
بـ «الأمة الآرية النبيلة» واصفة العرب بـ «الأمة السامية». ولم يتوان روائيون
وشعراء كثر عن نقد العرب ومعاداتهم و «تحقيرهم». يسمّي فاث علي أخو نزاده العرب بـ
«البدو المتوحشين» الذين دمّروا حضارة ايران الساسانية والأخمينية. ويرى ميرزا آغاخان
كرماني في العرب «حفنة من آكلي السحالي، الحفاة العراة والبدو الذين يقطنون
الصحراء...». كانت اسطورة «العصر الذهبي» لبلاد فارس –كما يعبّر الكثيرون- التي
قوضها الفتح الاسلامي حافزاً من حوافز النزعة العصبية هذه.
يقول شاه
رخ مسكوب أيضاً إن ايران أصبحت مسلمة لكنها لم تتعرب. ويكتب: «كانت ايران شجرة
جديدة غرست في مناخ الاسلام، لكنها شبت في تربة ذاكرتها القومية الخاصة بها». حتى
ملحمة "شاهنامة" الشهيرة للفردوسي تعلن في نهايتها قدوم العرب وقضاءهم
على ايران الساسانية واحتلالها، وقد صوّر هذا الشاعر القومي العرب بأنهم «قوم أقل
مدنية من الفرس». وفي «سفرنامة» أو «كتاب الأسفار» لناصر خسرو (القرن الحادي عشر)
تظهر صورة العربي البائس غير المتمدن مقابل الايراني المتحضر والمتنعم بالحياة.
هل ترتبط
هذه النزعة الشوفينية بـ «الحركة الشعوبية» العنصرية التي ترسخت في العصرين الأموي
والعباسي وعادت العرب متهمة اياهم باضطهاد «الموالي» أي من ليسوا عرباً؟ لعل
اللافت هنا أن القرون الممتدة من الرابع (هـ.) الى الثامن شكلت حقبة من الاخاء
الثقافي وشهدت علاقة وطيدة بين الأدب العربي والأدب الفارسي الذي راح ينهل من
القرآن الكريم واللغة العربية. وسطع حينذاك نجم شعراء فارسيين كبار ما برحوا
يملكون حضورهم العالمي في العصر الحديث ومنهم: عمر الخيام وسعدي الشيرازي وحافظ
الشيرازي وجلال الدين الرومي... لم يظهر هؤلاء الشعراء أي عداء للعرب بل هم
امتدحوا الاسلام والحضارة العربية وقد «طعّموا» بعض قصائدهم بأشطر عربية. هذه
المسألة لم تشر اليها الباحثة ولم تولها اهتماماً على رغم أهميتها ونموذجيتها.
صادق
هدايت والنزعة الآرية
تجلّت
اذاً النزعة العصبية المعادية لـ «الآخر» العربي في النصف الثاني من القرن التاسع
عشر، قرن «اليقظة القومية» وبلغت ذروتها في مرحلة الثورة الدستورية ) ومرحلة الحكم
البهلوي الذي أطاحت به من ثم الثورة الخمينية). ويمكن القول إن النزعة العصبية هذه
برزت في مراحل ما قبل الثورة عام 1979 التي أرست مبادئ جديدة انطلاقاً من روح
الاسلام. ومن الروائيين والشعراء الذين تبدت لديهم نزعة معاداة العرب أسماء كبيرة
مثل صادق هدايت (الذي عرف نجاحاً عالمياً وترجمت أعماله الى لغات شتى وقد مات
منتحراً في باريس.
يرى
هدايت صاحب رواية «البومة العمياء» أن الايرانيين الآريين متفوقون عرقياً على
العرب الساميين ويجعل من الماضي الزرادشتي مثالاً، معتبراً اياه «عصر ايران
الذهبي». ولا يخفي هدايت (الذي ترجم الى العربية) حقده على العرب وكراهيته أو
احتقاره لهم هم واليهود. وقد حملت قصصه وأعماله الروائية والمسرحية أشكالاً من هذا
الحقد لا سيما قصة «الكلب الضال» و«العانس أبجي خانم» و «الأخ أكول» و طيف المغول»
ومسرحية «بروين ابنة ساسان» اضافة الى «البومة العمياء»... في« كل هذه النصوص سخر
من العرب واصفاً اياهم على نحو دائم بـ «المتوحشين» والقساة والمتعطشين للدماء
والموبوئين والقذرين والبشعين وأصحاب «الجلود السوداء»، وهنا تبلغ العنصرية أوجها.
ولم يوفر اليهود الذين كال لهم أبشع الصفات مصنفاً اياهم مع العرب في خانة
الساميين المعادين لإيران. وكان يرى أن اصلاح الشعب الايراني يكمن في العودة الى
الأصول الشرقية والى الزرادشتية.
القاص
والروائي هدايت أقل حقداً على العرب من محمد علي جمال زاده لكنه أشد تعصباً
لانتمائه الايراني المعاصر والإسلامي – الايراني تحديداً. وهذا ما دفعه الى
السخرية مثلاً من شخصية «الملاّ» العربي في عمله السردي الشهير «الفارسية سكر»
واصفاً اياه بـ «قطة بيضاء تقعد ملتوية على كيس من غبار الفحم». لم تخل قصص زاده
من نزعة معاداة العرب وهو يورد بلا حرج أحد الامثال الشنيعة المضروبة ضد العرب في
أحد نصوصه: «العربي في الصحراء يأكل الجراد مثلما يشرب كلب اصفهان المياه
المثلجة». ويرسم صورة نافرة للعرب «المتخلفين والقساة» يستبطنها من ذاكرته
الطفولية. وفي أحد نصوصه يسخر من اللغة العربية نفسها وكان تعلمها صغيراً، هذه
اللغة الحافلة بـ، «الضرب» فيقول: «بات شغلنا الشاغل ليلاً ونهاراً: صفع وضرب كل
من اسمه زيد وعمرو...». ويتوقف عند فعل ضربن» الذي يهزء منه فهو يشير، كما يقول،
الى جمع من النساء ويقول: «في عالم« الطفولة ذاك رأيت حفنة من النسوة العربيات
أحرقت الشمس وجوههن(...) يحملن عصياً طويلة من خشب الخيزران ويهاجمن بها مجموعة من
الرجال الضعفاء البؤساء(...) ويضربن اياهم بوحشية وقسوة...». الا أن ما يميز زاده
نظرته الى الاسلام في كونه متمماً للثقافة الايرانية واعتراضه انما هو على الاسلام
غير الايراني.
يرى
الروائي صادق جوباك «الآخر العربي» منافقاً ودميماً ومتوحشاً ويعتبر ان «النفاق
السامي دمّر الذات الايرانية وهزمها». الا أن العرب لا يظهرون في أعماله الا عبر
اشارات عَرَضية. في رواية «المصباح الأخير» يسخر من مدينة البصرة وأهلها ومما
يقول: «عليك أن تحترس في البصرة وتحرص على أغراضك هناك. فحالما تدير وجهك يسرقك
العرب. ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب». ويكتب جوباك في قصة «الحجر الصبور»
متأسفاً على الحضارة الفارسية القديمة»: كم من الكتابات طمست؟ كم منها أحرق ودمّر
على أيدي العرب والمغول؟ أين « الكتابات الساسانية؟ أين اعمال البيهيقي؟ أين مئات
الأعمال الأخرى التي لا نعرف حتى اسماءها؟(...) لم يأتنا العرب بأي شي. لقد دمروا
كل ما لنا».
يحتقر
الشاعر مهدي أخوان ساليس العرب على طريقة صادق هدايت و «يندب» حضارة ايران القديمة
التي سقطت على أيدي العرب داعياً الى المصالحة مع التاريخ العريق والى العودة الى
الثقافة الزرادشتية والفكر الاصلاحي الساساني. ويتحدث عن بشاعة العرب معلناً أن
«كل ما يقترن بإيران القديمة هو طاهر ونقي ومتألق...» أما الشاعر نادر نادربور فلا
تخلو رؤيته من العصبية ايضاً، وفي رأيه أن الثقافة العربية تعارض «جوهر القيم
الايرانية الفارسية الحقة». وفي قصيدة «هنا وهناك» تحضر صورة العرب بصفتهم «وحوشاً
وغرباء متطفلين دمروا الحضارة الايرانية».
تفرد
الباحثة والشاعرة طاهرة جزءاً من كتابها لما تسميه «كتابات النساء، آراء النساء»
وتركز فيه على الشاعرة المعروفة فروغ فرخ زاد، والقاصة والروائية سيمين دانش فشار
سفرزاده ( وغايتها من تناول هذا الأدب النسائي ابراز اختلاف هذا الأدب عن الأدب
الذكوري وانكفائه على ذاته وعلى هموم المرأة بعيداً من قضية الهوية الجماعية
و«الفرسنة» أو الارينة»... فشعر فروغ فرخ زاد لا يعكس النزعة القومية والتاريخية
ولا يعنى « بالمشكلات السياسية. سعت هذه الشاعرة التي قضت منتحرة، الى خوض عالمها
الذاتي بحثاً عن هويتها الشخصية، متطرقة في الحين عينه الى قضية اضطهاد المرأة في
مجتمع ذكوري بامتياز. ولم تكن في حاجة، هي صاحبة الميول الفردانية في الحياة
والشعر، الى تأسيس هوية تاريخية بصفتها ايرانية ولا الى مرآة «الآخر» العربي لترسخ
ذاتها.
الشاعرة
طاهرة سفر زاده أبدت اهتماماً بـ «البحث عن الذات» ولكن في الاسلام، وراحت تنقب عن
الهوية الدينية ازاء أزمات المجتمع الحديث. وهي ترى الى الاسلام ديناً كونياً
وتبجّل لغة القرآن الكريم بصفتها «لغة الوحي والاسلام». ويحضر العرب في نصوصها
حضوراً ايجابياً ويغلب عليهم الطابع الاسلامي أكثر من الطابع العربي. لكنّ سفرزاده
لا تنكر تاريخها الفارسي وهويتها الايرانية من غير أن تتعصب لهما. فمفهوم
«الارينة» يوفق لديها بين العنصر الفارسي والإسلام وسائر الاثنيات. وعلى خلاف
الكتاب الآخرين لا ترى سفرزاده «الغزاة» بصفتهم عرباً بل بصفتهم مسلمين جاؤوا
بحقيقة الاسلام التي ستحرر الناس. وفي رأيها أن غزو العرب لإيران كان «تحرراً
بحق".
الروائية
سمين دانش فشار صاحبة رواية «سيا وشان» الأكثر مبيعاً في تاريخ الأدب الفارسي
الحديث تحمل رؤية لايران تندرج فيها المجموعات الاثنية في سياق الثقافة الايرانية
المشتركة التي تشكل كلاً واحداً. هكذا تعي فشار الاختلافات الاثنية وتقرّ بها في
صفتها حقيقة على الحياد. وفي نظرها هناك عرب وآخرون ولكن ليس هناك «آخر» عربي
وسواه. «الآخر» لديها هو الغرب الذي تمثّل إيرانياً في النظام البهلوي والاحتلال
البريطاني خلال الحرب الثانية.
تختار
الباحثة نموذجاً آخر تسميه «رجلاً في الوسط» أي ذاك الذي احتل موقعاً وسطياً بين
معاداة العرب واحترامهم. انه الكاتب الإشكالي جلال آل احمد الذي ما زالت آراؤه
حاضرة في ايران اليوم. معايير جلال لمفهوم النزعة الايرانية تقوم على ثلاثة عناصر:
اللغة الفارسية، الثقافة الايرانية الفارسية والإسلام الشيعي. وقد يكون جمال
الوحيد الذي استطاع أن يواجه التناقضات التي تحيط بمسألة الهوية الايرانية.
فالإسلام في نظره جوهري في مفهوم الايرانية. لكنه لا يني يسخر من الشخصية العربية
كما في قصة «الجمارك والمكوس» حيث يتحدث عن «خداع» العرب و «جشعهم» وعن كرههم
للآخرين. ولا تسلم اللغة العربية من سخريته مع ايمانه بأن قيمتها تكمن في كونها
لغة الدين، وقد دعا الى فصل الاسلام عن جذوره العربية. الا انه يرفض ايديولوجيا
«النزعة الآرية»، مشيراً الى «شعوذة الدراسات الآرية». أما «الآخر» في نظره فهو
ليس العربي بل الامبريالية الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق