نهضة التعليم تبدأ بحل الأزمة الاقتصادية
كتب محمود خليل:
بدأت وزارة التربية والتعليم حوارا لتطوير
التعليم لخلق مواطن مصرى جديد من خلال تطوير نظام التعليم المصرى وكيفية الاهتمام
بهوايات التلميذ منذ المرحلة المبكرة من حياته وينسى القائمون على تلك العملية دور
المدرس الذى كان قديما يهتم بالتلاميذ ويوجه النابهين منهم إلى الطريق الصحيح
لحياتهم فالمدرس وقتها هو البوصلة التى كنا نهتدى بها فى رسم طريق حياتنا العملية
ومامن عالم أو كاتب أو طبيب أو شاعر ألا وكان مدرس المرحلة الابتدائية بصفة خاصة
له بصمة فى حياته ثم يتلو ذلك مدرسى باقى المراحل حتى المرحلة الجامعية ولذلك نقول
للسادة المشرفين على عملية التعليم أن المدرس هو الأساس فى هذه العملية وبدونه لن
تنجح عملية التطوير والنهضة التى ننشدها ولكن ذلك لن يتأتى ألا بحل الأزمة
الاقتصادية التى يعانى منها أفراد المجتمع كله ومنهم المدرسون الذين اتجهوا إلى
الدروس الخصوصية لتلبية حاجاتهم الاقتصادية وبالتالى ليس لديهم تلك الحساسية
لتوجيه تلاميذهم إلى الطريق السليم لمواهبهم لخدمة الوطن خاصة وأن المدرسين ومنذ
الثمانينيات وحتى اليوم يحتاجون إلى إعادة تأهيل ليكون لدينا مدرس كفء وبالمواصفات
المطلوبة لخلق جيل صالح يتولى زمام الأمور فى المستقبل, ولذلك نرى أن حل الأزمة
الاقتصادية هو البداية والدليل ماحدث معنا شخصيا فرغم أن المصروف أيام الدراسة كان
بسيطا جدا فأننا كنا نشترى كثيرا من الكتب والمجلات والجرائد لأن الأسعار وقتها
كانت معقولة وتمكنا من الشراء, حيث كانت القوة الشرائية للجنيه كبيرة بعكس تلك
الأيام التى نعيشها حاليا بجانب دور أساتذتنا فى توجيهنا إلى الطريق التى رأوا أننا
سوف نبدع فيه ولا ننسى دور وسائل الأعلام أيضا والتى كانت تقدم نماذج ناجحة تؤثر
فى شخصية الطفل والطالب والمواطن بصفة عامة.
لقد بدأت حياتى الصحفية مبكرا جدا قبل أن التحق
رسميا ببلاط صاحبة الجلالة إذ كنت أراسل صحيفتى الأخبار والأهرام منذ سن الخامسة
عشرة وكنت مازلت بعد أدرس بالمرحلة الإعدادية وكنت قد تتلمذت على يد السيدة/ سهير
حامد ندا مدرستى فى المرحلة الابتدائية والتى كان لها عظيم الأثر فى مسيرة حياتى
وكانت تتنبأ لى بمستقبل جيد لذا احتضنتى منذ كنت فى السنة الأولى وحتى نهاية
المرحلة الابتدائية ووجهتنى إلى أهمية القراءة والإطلاع بعد أن وجدت لدى طوح
واستعداد فطرى لذلك فنمت لدى تلك الهواية الممتعة, ومن جانبى كنت أدخر التعريفة –نصف
القرش لمن لم يعاصر تلك العملة- التى كانت مصروفى اليومى حتى نهاية الأسبوع وأذهب
إلى سوق الخميس بالمطرية لأشترى بما ادخرت عدة قصص ومجلات مثل ميكى وسمير وتان
تان, وبمرور الأيام تكونت لدى مكتبة تنوعت طبقا لمراحل وسنى عمرى ومن خلالها ومن
خلال جريدة الأخبار التى كان والدى –رحمة الله عليه- يواظب على شرائها تكونت لدى
حصيلة معرفية لا بأس بها مكنتنى من مراسلة الأستاذة/ فاطمة صقر الصحفية بالأخبار
وكانت تقدم باب "بين الأصدقاء" كل يوم جمعة ونشرت لى أول رسالة فى عام
1975 تقريبا ثم توالت قراءتى ونمت مكتبتى حيث كنت أواظب على زيارة سوق الخميس و
سور الأزبكية القديم منذ المرحلة الإعدادية لشراء الكتب والمجلات القديمة من حصيلة
مصروفى الذى كان لا يتعدى الشلن كل يوم وأيضا من حصيلة مدخراتى خلال عملى فى
الفترة الصيفية فى هذه السن المبكرة مما مكنى من أن اقتنى مجموعة كتب متنوعة من أشهر
الكتب ولأشهر الكتاب وقتها, وحينما وصلت المرحلة الجامعية بدأت أواظب على شراء
الجرائد اليومية الثلاث رغم أن مصروفى وقتها كان ربع جنيه فقط !!.. ثم بدأت أراسل
بريد الأهرام والذى نشر لى عددا لا بأس به من الرسائل التى خطوت بها أولى خطواتى
فى بلاط صاحبة الجلالة وبعدها حددت طريقى فى الحياة وهو أن أصبح صحفيا وقمت
بمحاولات عدة للالتحاق بجريدة الأخبار ثم الأهرام ولكن كانت الأبواب مغلقة أو لنقل
أن الله سبحانه وتعالى كان يرسم لى طريقا آخر فبعد الانتهاء من تأدية الخدمة
العسكرية التحقت بجريدة الأحرار فى منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضى ورغم
الصعوبات التى واجهتنى للانضمام إلى الأسرة الصحفية فإننى تحملتها بصبر وجلد حتى
تحقق لى الانضمام لنقابتنا العريقة "نقابة الصحفيين" ذات التاريخ الطويل
فى الدفاع عن الأمة ومصالحها ليس الأمة المصرية فحسب ولكن الأمة العربية والإسلامية
كذلك.
ولقد وضعت شعارا لحياتى الصحفية لم أحد عنه وهو
"بحثا عن الحقيقة.. وتصحيحا للمفاهيم الخاطئة" لأننى –تأثرا بمن تتلمذت
على يديهم من خلال كتبهم ومقالاتهم- أعتبر أن الصحافة رسالة تجاه الوطن والمواطن
والدين ولا غرو فى ذلك فلقد تربيت على ذلك منذ صغرى سواء على يد والدى أو على يد
مدرستى –رحمهما الله- أو على يد أساتذتى فى قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين
شمس ومنهم الدكتور رأفت عبد الحميد –رحمة الله عليه- أو من خلال تلمذتى على يد كل
من قرأت لهم سواء كتبا أو مقالات نشروها بالصحف أو حتى من خلال برامج الإذاعة التى
كنت حريصا على متابعتها منذ الصغر مثل برنامج زيارة لمكتبة فلان للإذاعية نادية
صالح أو برنامج شاهد على العصر للإذاعى عمر بطيشه وبرامج أخرى كانت تستضيف الرواد
والأساتذة فى مختلف فروع الأدب والفن والعلم والمعرفة فتكونت لدى -بجانب دراستى
للتاريخ- حصيلة متنوعة من المعرفة أهلتنى لأكتب فى كافة الأبواب الصحفية حيث كتبت
فى الرياضة والجريمة والقضايا والفن والطب والاجتماع والاقتصاد والزراعة وغيرها.
ومنذ وطأت قدماى بلاط صاحبة الجلالة وحتى اليوم
مر ما يقرب من ربع قرن أو يزيد قليلا مرت على أحداث وأحداث كدت أحبط أو أصاب
باليأس أو أفقد حياتى أو منصبى أو إيمانى ببلدى ولكن ما مر من قبل شيء والعامين
الأخيرين شيء آخر فكم الفساد والمحسوبية والرشوة والاحتكار وزيادة الأسعار فاق
الحد والوصف ولم يعد هناك أحدا يتحمله حتى أكاد أفقد ثقتى ببلدى التى أعطيتها
الكثير وقد أعطاها غيرى أيضا الكثير وهى أعطت الجميع أيضا الكثير وبلا حدود ودون
ضن أو من ولكن أن تصبح الحياة فى مصر بهذا الشكل من السوء وعدم القدرة على مواجهة
متطلبات الحياة فلا أظن أن أحدا يتحمل ما يتحمله هذا الشعب المصرى الأصيل الذى
فاقت قدرته على تحمل الأعباء الاقتصادية الحدود ويجب عمل تمثال لهذا المصرى الصبور
فى أكبر الميادين؟!!.. ولا ندرى ماذا يريدون منه أكثر من ذلك؟.. لقد أمرضوه ومرمطوه
وطحنوه وأكلوا عليه وشربوا وأهانوه؟!!.. ورغم ذلك مازال متحملا بصبر وجلد ورغم كل
ذلك يطالبوه بأن يدفع لهم ثمن تحمله ورفاهيتهم وتمتعهم بخيرات البلاد.. لماذا لا
ندرى؟
إننى فرد من أفراد هذا الشعب المطحون الذى تحمل
عبء هزيمة يونيو وعانى من ارتفاع الأسعار وتوابع الخصخصة التى بدأت منذ ثمانينيات
القرن الماضى تحت مسمى الإصلاح الاقتصادى ولكن ما تم يؤكد أن الإصلاح كان يعنى
أفرادا بعينهم وليس مجموع الشعب المصرى والدليل تلك المهانة التى طالت أكثر من
تسعين بالمائة من الشعب المصرى فى سبيل الحصول على رغيف عيش أو احتياجاته الأساسية
من مأكل ومشرب وملبس وعلاج ومسكن فبعد بيع معظم شركات القطاع العام تحكم فى مصير
الشعب عدد محدود من الأفراد يتحكمون فى كل شيء وللأسف لا ندرى أن كانت الحكومة
معهم أم مع الشعب؟.. ولكن يبدو أنها تدعمهم والدليل أنها تقف عاجزة أو ليس لديها
رغبة فى اتخاذ قرار ضد المحتكرين من أصحاب المصانع والتجار الذين يرفعون أسعار كل
شيء بلا مبرر!!.. والدليل أيضا رفعها لأسعار أراضى الدولة وتصريح العديد من
المسئولين أن "اللى ببلاش أنتهى عصره"!!..
ونحن نوافق على ذلك ولكن أعطوا الشعب حقوقه فلا
يوجد اليوم شخص يستطيع المعيشة بـ 300 جنيه أو حتى 600 جنيه بعد أن أشعلت الحكومة
والتجار والمحتكرون النار فى الأسعار؟!!..
لقد شعرت بمدى هوانى -مثلى كثيرون من صحفيين
وأساتذة جامعة وأطباء ومهندسين.. وغيرهم- وقد بددت ربع قرن من عمرى دون أن أحقق
أملى فى حياة كريمة وأن أوفر لأولادى المعيشة التى تليق بهم كبشر أولا وكأبناء
صحفى ثانيا وأنا أرى اهتمام الدولة بكافة مؤسساتها بالأقدام والأجساد أكثر من
العقول رغم أن العقول هى التى تصنع الأمة وبها تتقدم فلم تتقدم أمة يوما بلاعبى
الكرة أو بالراقصات أو الممثلات وانظروا إلى أمريكا وفرنسا وانجلترا وألمانيا
وروسيا والصين وحتى إلى إسرائيل.. هل تعطى هذه الدول رسميا وبكافة هيئاتها
وسلطاتها هذا الاهتمام المبالغ فيه الذى نعطيه فى مصر للاعبين والمغنيين والممثلات
والراقصات ونهمل أصحاب الفكر والقلم والبحث والعلم والدين؟!!..
بالطبع لا.. ولذلك قررت أن أبادر بإعلان اعتزالى
للصحافة والاتجاه إلى الملاعب الخضراء لعلى أحصل على عدة ملايين قبل أن يتقدم بى
العمر أكثر منذ ذلك فلقد بلغت منتصف الأربعينيات وحتى الآن أقيم فى شقة إيجار
ومهدد بالطرد منها لأن صاحبها رفع الإيجار ثلاثة أضعاف ولما كنت من ذوى الدخل
المحدود ولا أستطيع دفع ألف وخمسمائة جنيه إيجارا فى الشهر لم يعد أمامى سوى
ارتداء "شورت وفانلة وكوتشى" وألعب "كام ماتش" حتى أحصل على
أحدى البطولات لتفتح لى أبواب جميع المسئولين فى الدولة وأحصل على عدة ملايين من
الجنيهات من الحكومة ومن رجال الأعمال ويتدخل الكبير والصغير لحل جميع مشكلاتى
ودون الحاجة لتقديم مظالم أو عقد مؤتمرات أو الاعتصام أو الإضراب للحصول على عدة
جنيهات زيادة فى المرتب!!
فانتبهوا يا أولى الأمر.. لأن اختزال الانتماء
إلى مصر وإلى العلم المصرى فى الرياضة أو كرة القدم على وجه التحديد أمر جد خطير
على البلاد وعلى الأجيال القادمة ولن يحقق لنا النهضة التى ننشدها.. ولذلك اقولها
بكل حسرة أن مصر فى خطر إذا ظل الحال على ماهو عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق