الثلاثاء، سبتمبر 27، 2011

فلاحو سنهوا: البلطجية يطاردوننا.. والعطش يميت أراضينا.. والهرمونات تقتل شبابنا


بعد اضطرابات 25 يناير
فلاحو سنهوا: البلطجية يطاردوننا.. والعطش يميت أراضينا.. والهرمونات تقتل شبابنا
أين ذهب قرض المليون جنيه المقدم من الصندوق الاجتماعى لتنمية المجتمع؟
مستشفى بلا تجهيزات ونقطة شرطة يرأسها أمين وجمعية زراعية تبيع السماد للمعارف
رى الأراضى بالصرف الصحى لنشر الفشل الكلوى والكبدى والسرطانات على المصريين

كتب محمود خليل:
احتفل فلاحو مصر منذ أيام قليلة مضت بعيدهم السنوى, ولسان حالهم يقول: عدت يا عيد وبأى حال عدت؟!..
ذهبنا فى عيد الفلاح نتفقد أحوال الفلاحين فى مصر فى عيدهم , واخترنا قرية سنهوا, مركز منيا القمح, بمحافظة الشرقية, والتى تتبعها سبع عزب وكفور, وهى: المنشية والشيخ حسن وأبو دقن وأبو محرم والورشة وعبد النبى وعلى غالى, ويبلغ عدد سكانها أكثر من 20ألف نسمة, بينما تبلغ الأرض الزراعية ألفى فدان.
اخترنا "سنهوا" باعتبارها نموذجا لقرى مصر التى تدهورت أحوالها, ويعيش سكانها حياة شبه بدائية بعد أن أهملها المسئولون, فعلى الرغم من توصيل أساسيات الحياة الحديثة للسكان مثل الكهرباء والمياة والصرف الصحى, إلا أنه بمجرد دخولنا أى عزبة أو كفر تجد نفسك فى عالم أخر, وتكتشف أن الفلاح فى القرى المصرية مازال يعانى مثلما كان كان يعانى أجداده وآبائه, والخوف أن يعانى الأبناء والأحفاد أيضا مما يعانى منه الآباء والأجداد, منذ مئات السنين.
قرأت منذ فترة مذكرات طبيب انجليزى أيام الاحتلال البريطانى لمصر, يصف فيه أحوال المصريين فى الريف والحضر, وللأسف رغم مرور أمثر من 80 عاما على كتابته لتلك المذكرات, فأنك تشعر أن مصر لا تتغير, فكل الأمراض الصحية والمجتمعية والحضارية التى رصدها الطبيب فى مذكراته مازلنا نعانى منها, حتى لكأننا نعيش فى عشرينيات وثلاثينيات القرن المناضى وهى الفترة التى رصدها الطبيب فى مذكراته!!
لم تتغير الأحوال كثيرا فى حياة الفلاح المصرى, اللهم بعض اللمسات الحضارية التى افقدت الحياة الريفية رونقها, كما افقدت الفلاح بعض صفاته, مثل القوة الجسمانية, والاستيقاظ مبكرا, والحفاظ على أرضه, والاعتماد على يده فى كسب قوت يومه, وعدم الاعتماد على المدينة, التى صار يعتمد عليها فى الحصول حتى على رغيف الخبز!!!.. رغم أن سكان المدينة كانوا حتى سنوات قليلة مضت يعتمدون على الريف, ويسنشقون عبير الرغيف الفلاحى واللبن الطازج الذى يأتى به الأقارب أو الباعة من الريف.
ذهبنا إلى قرية سنهوا وكلنا أمل وشوق أن نرى الفلاحين على طبيعتهم, وأن نرى "عيشة الفلاح" كما غنى لها محمد عبد الوهاب, ولكننا صدمنا من هول المشهد, الذى بدأ منذ بداية دخولنا حيز القرية, فالتوك توك, هو سيد الموقف فى تنقلات الفلاحين بداية من الطريق الرئيسى وحتى داخل القرية, وتتراوح الأجرة بين جنيه وثلاثة جنيهات, حسب المسافة وصار التوك توك مشروعا تجاريا لشباب القرية بعد أن فقدوا الأمل فى زراعة الأرض, وفى الوظيفة فمعظم من يقود تلك "التكاتك" من الحاصلين على الدبلومات أو الشهادات الجامعية!!
إنه الفقر الذى يعانى منه الفلاح والذى أجبره على العمل فى مهن ليست من اختصاصه, فهل أنفقت الحكومة على الشباب ملايين الجنيهات ليتخرج من الجامعة أو حتى المدارس الثانوية ليكون سائق توك توك؟.. الغريب إننى تلقيت شكوى من أحد الأهالى على ماجستير فى الزراعة, فى تخصص نادر ولكنه فشل فى الحصول على وظيفة, أو الانضمام لهيئة التدريس فى أى من كليات الزراعة, فاضطر إلى العمل كمصور وافتتح ستديو تصوير, ليمارس فيه هوايته, والتى تحولت إلى مهنة, حتى يستطيع الانفاق على نفسه وأسرته!!.
أما شوارع القرية فحدث ولا حرج, رغم إن الطرق الرئيسية, بالقرية مرصوفة إلا أنها توارت خلف كميات من الأتربة والقمامة, وبعضها لم يتحمل مياة المطر وضغط السيارات فتفتت لإنه لم سفلتتها حسب القواعد الهندسية المعروفى عالميا, حيث لم يتم دك الأراضى جيدا ووضعت طبقة خفيفة من الحجارة, وكميات أقل من "الزفت", وطبقة واحدة من الأسفلت, فكان طبيعيا ألا تتحمل غير شهور معدودة لتتفتت بعدها مثل حبات الرمل!!.. ويرى أهالى سنهوا أن "المقاول الذى بنى هذه الطرق "ضحك عليهم", و"لهف" باقى الميزانية المخصصة للرصف, وترك شوارع قريتهم شبه مرصوفة!!.
أثناء سيرنا فى شوارع القرية غير المنتظمة, نشاهد المنازل وقد بنيت بالطوب الحمر وسقفت بالمسلح الخرسانى, وبعضها ارتفع إلى سبعة طوابق, وكل منها له شكل مختلف عن الأخر, وحسب قدرة صاحب كل منزل تم تشييد المنزل وتجميله ودهانه من الخارج.
مازلنا نسير فى الشوارع بصحبة مضيفنا الحاج صلاح عيد, الذى دعانا إلى منزله للقاء اهالى القرية للاستماع إلى شكاياتهم, حيث التقينا وكل من ربيع السيد محمد نور الدين وصبرى السعيد صابر ومحمود سالم عبد الفتاح ومحمد فرج محمد وأحمد السيد شريف وسعيد السيد محمد نور الدين وأحمد عربى نبوى ومحمود إبراهيم محمود, وفى المضيفة قدم لنا الحاج صلاح أكواب الشاى وبدأنا نستمع إلى شكاوى الأهالى التى تلخصت فيما يلى:
·        الفساد الذى تسبح فيه الجمعية الزراعية حيث يتم بيع السماد والمبيدات والكيماويات للمعارف, وفى اوقات غير أوقات العمل الرسمية, فهل هناك جمعية زراعية تبيع الأسمدة منتصف الليل؟.. كما أن مسئوليها يبيعون للفلاحين الذين يبيتون لعدة أيام أمام الجمعية فى انتظار أن "يحن" عليهم المسئولين عن الجمعية ليبعوا لهم شكارة من اليوريا على سبيل المثال بمائتى جنيه رغم ان سعرها الرسمى 75 جنيه!! ولذا يطالب الفلاحون بالكشف عن مصير تلك الأسمدة التى لا يحصل عليها الفلاحون من الجمعية بينما يتم بيعها بدون ايصالات للمعارف والأصدقاء؟!..
·        رغم أن القرية وتوابعها تم تزويدها بالكهرباء إلا أن المحول الذى يغذى القرية متهالك وأسلاك الكهرباء تآكلت وتسقط على المنازل مما يهدد بإشتعال الحرائق فى اى وقت, كما تنقطع الكهرباء بشكل متواصل عدة مرات لعدة ساعات كل يوم, بسبب قد المحول و"سيحان" الأسلاك الكهربائية!!
·        إمتلاء الترع بالمخلفات الزراعية والقمامة, وعدم قيام وزارة الرى بتطهيرها سنويا حسب الخطة, مما أدى إلى عدم وصول المياة للأرض الزراعية وبوارها!..
·        ندرة مياة الرى التى تصل الأراضى الزراعية, بسبب نظام المناوبة, ورغم ذلك لا تصل المياة إلى الأرض الزراعية مما جعل الفلاحون يدقون مواسير على عمق مائة لجلب المياة من باطن الأرض, ومن لايملك عشرة آلاف جنيه لدق "الطلمبة", يستعين بمياة الصرف الصحى من "الرشاحات", فى رى أراضيه حتى لا تموت, ومنهم من يستأجر الأرض ويجب عليه دفع الإيجار فى اوقات محددة, ودفع التزاماته تجاه أسرته, مما نتج عنه مرض أكثر من نصف أهالى القرية بأمراض الكلى والكبد والسرطان, بسبب تلوث الخضر التى يتناولونها, بخلاف إصابة من يتناول تلك الخضر من أهالى المدينة التى يتم بيع تلك الخضر فيها!!
·        رغم أن القرية تم وضعها منذ عشر سنوات على الخطة لمد شبكة الصرف الصحى فيها إلا أنه تم حفر بضعة شوارع فيها لمد المواسير ثم اختفى المقاول منذ 10 سنوات ولم يظهر حتى اليوم؟!!..
·        مستشفى التكامل الصحى بسنهوا صارت مجرد حوائط رغم إنه تم تجهيزها بأحدث الأجهزة إلا أن عضو مجلس شعب سحبها من المستشفى ليجهز بها مستشفى قريته المركزى فى السعديين!!.. أما طبيب المستشفى فلا يأتى سوى ساعة واحدة, ويختفى بعدها بسبب عدم وجود مكان يجلس فيه, كما لا يوجد أى نوع من الدواء فى المستشفى, ولا حتى سيارة إسعاف تنقل أى حالة طارئة إلى أى مستشفى خارج القرية!!.
·        يطالب أهالى سنهوا بتغطية ترعة عزبة المنشية التى أصبحت مصدرا للتلوث والأوبئة ومصيدة للأطفال بعد أن غرق فيها أكثر من طفل, ولم يجد من ينجده.
·        تقوم مخابز القرية باستخدام الدقيق لعمل "العيش" وبدلا من بيعه للأهال تقوم ببيعه كعلف للمواشى.
·        مكتب التموين بالقرية لا يقوم بصرف الحصص التموينية كاملة, وإن صرفها يطلب مقابل أكثر من سعر السلع التى حددتها الوزارة.
·        شهدت القرية وتوابعها, حالة من عدم الأمن بعد احداث يناير وحتى اليوم, تمثلت فى انتشار جاحفل البلطجية الذين يسرقون السيارات والمنازل, والمواشى وذهب الفتيات والسيدات, بخلاف الإعتداء اللفظى وأحيانا الجنسى على سيدات القرية, مستخدمين فى ذلك الأسلحة النارية والبيضاء, والسيارات والموتسيكلات بدون أرقام مرور, حتى وصلت السيارات التى تسرق كل أسبوع إلى 5 سيارت بين ملاكى ونقل وتوك توك وموتوسيكل.
·        إعتداء البلطجية على حرم الترعة الرئيسية بالقرية وبناء أكشاك وحجرات بالطوب, يتناولون فيها البانجو والحشيش جهارا نهارا, ولا يستطيع الأهالى التعرض لهم بسبب الأسلحة التى يملكونها, كما ان نقطة الشرطة الموجودة بالقرية لا تفعل شيئا خاصة وأن رئيس النقطة أمين شرطة!!, لا حول له ولا قوة, ويخشى التعرض لهؤلاء البلطجية!!..
·        خصص الصندوق الاجتماعى بقرية سنهوا قرضا بمبلغ مليون جنيه لتنمية المجتمع ورفع دخول الأسر بها وبتوابعها, ولكن المبلغ اختفى ولم يحصل أى شاب من القرية على أى جنيه من المليون جنيه فأين ذهب القرض ومن حصل عليه, وشباب القرية يقضى وقته على المقاهى, وفى الشوارع؟؟!
·        تسببت قلة المياة فى الترع فى تمليح الأراضى, وبالتالى سوف تتعرض خلال سنوات قليلة للبوار.
·        استخدام بعض الفلاحين الهرمونات فى الزراعة مما تسبب عنه كثير من الأمراض لمن يتناول تلك الخضر, وكذا تأثير تلك الهرمونات على الأراضى الزراعية وانخفاض جودتها.
·        إعادة نشاط البنك الزراعى والسجل المدنى وتفعيل مكتب الصندوق الاجتماعى بالقرية وكذلك مكتب البريد والاتصالات بالقرية.
·        زيارة المحافظ عزازى على عزازى للقرية ولقاء الأهالى ومناقشتهم والاستماع إلى مشاكلهم وهموهم على الطبيعة.
كانت تلك أهم المشاكل التى طرحها الأهالى أثناء لقاؤنا معهم, وقد وعدناهم بطرها على صفحات "الأحرار", لعل وعسى يصل صوتهم إلى وزراء الداخلية والزراعة والرى والاتصالات ومحافظ الشرقية, للعمل على حل تلك المشكلات, وغنى عن التعريف ولا داعى لتكرار أن الفلاح يعد أحد أعمدة التنمية فى مصر, وإذا كان من ينتج لنا الغذاء يعانى, ويتعرض لكل هذه المشكلات فهل يحق لنا أن نتساءل بعد ذلك, لماذا نصاب بالأمراض السرطانية؟, ولماذا ترتفع اسعار الخضر؟, ولماذا تبور الأراضى الزراعية؟, ولماذا يهجر الفلاح أرضه؟, ولماذا يعرض شباب القرى أنفسهم للمخاطر فى عرض البحر بحثا عن وظيفة فى ايطاليا أو اليونان أو غيرها؟
السؤال الأهم أين كل المسئولين الذين يجلسون على كراسيهم وهم لا يشعرون بوخز ضمائرهم, وهم يعلمون تمام العلم بالمشاكل التى يعانى منها الفلاحون؟
هل "يستحل" المسئولون مرتباتهم التى يحصلون عليها وهم لا يقومون بواجبهم تجاه وظيفتهم ووطنهم وأبناء وطنهم؟
وأخيرا أيها الفلاح المصرى الصابر على بلاوى المسئولين والصابر على همومه, لك الله, فاصبر لعل يكون نهاية الصبر نصرا لك وحصول على حقوقك الضائعة.
وهكذا انتهت جولتنا الميدانية على الطبيعة فى أرجاء قرية سنهوا, حيث ودعنا أهالى القرية مع دعاء من القلب أن يفرج الله تعالى همومهم وهموم المصريين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق