الأربعاء، يوليو 10، 2013

الإخوان.. تاريخ أسود مسكوت عنه (1)


الإخوان.. تاريخ أسود مسكوت عنه (1)
أعطوا لأنفسهم الكثير من الحقوق الربانية على المجتمع والحاكم واستعلوا على الناس

كيف يحكم الإخوان مصر بمنطقهم وتاريخهم وجمود عقليتهم وشلل تفكيرهم؟
 الصدام بين الجماعة والحكومات المصرية كان القاعدة والتعاون كان الأستثناء
 الإخوان جعلوا بعض السنن فى مرتبة الواجبات ونزلوا ببعضها إلى مرتبة السنن وتجاهلوا بعض التكاليف
 مبارك: أصبت بعدوى العداء للإخوان ممن سبقونى وحميتهم من بطش العادلى الذى كان يخطط للتخلص من زعمائهم بخطة "التكسيح"

كتب محمود خليل:
يقول رسول الله صل الله عليه وسلم:
حسن البنا
"ستأتى على أمتى سنوات خدّاعات يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة.
قيل: وما الرويبضة؟
قال: "الرجل التافه السفيه يتكلم فى أمر العامة".
لم تثر جماعة أو حركة أو حزب في مصر والعالم العربي, بل والعالم الخارجى، جدلا مثل الذي أثارته جماعة "الإخوان" على مدى أكثر من 80 عاما، ومازالت تثيره, فهى تارة تدعم ملوكا ورؤساء, وأخرى تنقلب عليهم, وتارة تضع يدها في يد المستعمر وأخرى تعلن الجهاد عليه, تارة تناصب أمريكا العداء وأخرى تعقد معها الصفقات السرية والعلنية, وتارة يتحالفون مع الضباط الأحرار وأخرى ينقلبون عليهم, وتارة أخرى يتحالفون مع الاشتراكيين وأخرى يشنون ضدهم حملات مضادة, تارة يبحثون التحالف مع المسيحيين وأخرى يرفضون مشاركتهم السياسية, كما لم يثر شخصا جدل حوله مثلما ثار الجدل حول حسن البنا مؤسس تلك الجماعة.
تساءل كثيرون بعد إستيلاء "الإخوان" على حكم مصر, هل سيحكمون بالشريعة الإسلامية التي حكم بها الرسول صل الله عليه وسلم وساد بها العالم في ظل هذه الظروف التي تتغير معالمها يوما بعد يوم؟, هل سيعادون أمريكا؟, هل سيحاربون إسرائيل؟
فاروق
للإجابة على هذا التساؤل يجب أن نبحر فى تاريخ الجماعة التى أسسها حسن البنا منذ أكثر من ثمانين عاما ومازالت تتنامى ويتزايد أعضاؤها رغم الضربات التى تعرضت لها على يد الحكومات المتعاقبة التى حكمت مصر منذ ثلاثينيات القرن الماضى وحتى يومنا هذا,  رغم أن حسن البنا مؤسس الجماعة فقد قتله السيطرة على بعض أجنحة الجماعة التى أصبحت قبل مقتله أشبه بكيان كبير لا يعرف مؤسسه من يديره فعليا, لكن الجماعة التى كانت مرشحة للزوال فى العديد من مراحل حياتها, سرعان ما كانت تعود إلى الواجهة مرة أخرى وبشكل أكثر خطورة على نظام الحكم, وهو ما حدث فى عهد عبد الناصر, ثم السادات, وأخيرا مبارك, حتى تمكنت من إسقاطه, ولا يظن أحد أن تلك الخطورة تكمن فى الجماة أو قادتها, وهذا أمر لا ننكره, ولكن لا يجب أن نغفل الدور الذى لعبته دول خارجية مثل بريطانيا وأمريكا فى تمويل وقوية شوكة الإخوان لتنفيذ الأجندة المطلوبة منهم حفاظا على مصالح تلك الدول.
إن من يبحر فى تاريخ الإخوان لابد أن يشعر بالفزع, بسبب كمية الدماء التى سالت بسبب تناحرهم وتنازعهم فيما بينهم أو فيما بينهم وبين الحكومات المتتالية التى حكمت مصر من ثلاثينيات القرن الماضى وحتى اليوم, فلم يسجل التاريخ دخول جماعة أو حركة أو حزب في صراع ضد عشرات الحكومات التى حكمت مصر سوى جماعة "الإخوان", فالصدام بينها وبين تلك الحكومات كان القاعدة, والتعاون والهدوء في علاقاتها مع الحكومات كان الأستثناء, ولم يشذ عن تلك القاعدة حاكما واحدا منذ عهد الخديوى فؤاد, أو الملك فاروق, أو الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك.
إن الإخوان يتميزون بفكرهم السياسي الضحل جداً، ورؤيتهم السياسية قصيرة النظر, فهم ليسوا رجال سلطة لأنهم حالمون ورومانسيون أكثر منهم عمليون وواقعيون, وهم يعتقدون أن نجاحهم فى قيادة جماعة يعنى نجاحهم فى الحكم, غير مدركين ان قيادة دولة فى حجم وتاريخ وحضارة ومكانة مصر تختلف عن قيادة جماعة سرية تدير أمورها عن الطريق السيطرة على أفرادها بالسمع
عبد الناصر
والطاعة والتهديد بالقتل فى حال شذ أحدهم عن الجماعة ورفض تنفيذ أوامر المرشد, فكيف يسيطر الإخوان على أكثر من 85 مصرى لا ينتمون إلى الجماعة ولم يقسموا على السمع والطاعة, وفيهم من يرفض سلطوية الجماعة وديكتاتورية الفرد, ومنهم من لا يقبل بحكم الإسلام, ومنهم الليبرالى والاشتراكى واليسارى واليمينى والفوضوى, وبينهم المثقف الذى يستخدم عقله ولا يقبل إلا أن يناقش كل أمر وكل قضية بمنطق العلم والعقل, ولا يقبل فرض الرأى والأمر, فكيف يحكم الإخوان مصر بمنطقهم وتاريخهم وجمود عقليتهم والشلل الذى أصاب فكرهم وتفكيرهم الذى ينحصر فى فكر مرشدهم الأول حسن البنا الذى وضع لهم أطر إسلامهم وحياتهم وتفكيرهم وهم –وبكل أسف- لا يحيدون عنه ويطبقون "تعاليمه" حرفيا, فى وقت يجادلون فيه فى أوامر ونواهى الإسلام, ورسوله الكريم محمد صل الله عليه وسلم.
إن خطأ جماعة الإخوان وكل الجماعات التى خرجت من عباءتها أنها أخذت من الإمام ابن تيمية مرجعا ومفتيا لها فى المسائل الفقهية والحخياتية والدنيوية، حتى إنهم يدرسون كتبه وكتب تلاميذه مثل ابن القيم داخل الجماعة, ويعتبرونها المرجع الوحيد لهم فى فتاويهم الدينية والدنيوية, ولذلك "ورثوا" عنه طبيعته الصلبة وعناده, والتمسك بالرأى.
يعد ابن تيمية أحد الأئمة المجتهدين, كما يعد فقيها ومحدثا لغزارة علمه, كما كان قوى الشخصية عنيدا فى فكره, مصرا على آرائه، ولعل ذلك راجعا لأصله الكردى, كما أنه نشأ وعاصر فترة اجتياح التتار لديار الإسلام, وما صاحبها من ضعف بعض المسلمين وانقيادهم لهم بعد انبهارهم بقوتهم فساروا فى ركابهم ومالأوهم على بنى جلدتهم من المسلمين.
كان الجهاد فى تلك الظروف هو القيمة الإسلامية العليا، وهى الفريضة التى دعا ابن تيمية لإحيائها وطالب المسلمين فى عصره بإتباعها لتحرير بلادهم من التتار, وترتبت على ذلك مواقف وأحكام كثيرة، وإن الباحث ينبغى له أن يتوخى الأسلوب العلمى فى البحث ولا يتتبع الغريب من الأحداث والشاذ من الآراء لإثبات وجهة نظره، وإذا كان ابن تيمية له الحق فى الجدعة للجهاد ضد المحتلين الذين سيطروا على بلاد المسلمين, فإن الإخوان ومن تبعها من الجماعات الإسلامية الأخرى قاسوا الأوضاع فى عهد ابن تيمية على الأوضاع الحالية فقاموا بكفير حكام الدول التى يعيشون على أراضيها, بل وكفروا المسلمين الذين يعيشون وسطهم لأنهم حسب رأيهم ليسوا مسلمينا على الحق, ولأنهم لا يواجهون الحاكم الكافر أو الموالى للغرب أو الذى لا يقيم الشريعة الإسلامية فى البلاد, وطالبوا بإحياء الفريضة الغائبة ويقصدون بها الجهاد وهو من منظورهم جهاد داخلى ضد الحكام, وجهاد خارجى ضد "الكفار" المسيحيين واليهود.
لقد خلط الإخوان والجماعات المنبثقة عنها بين الأحداث التى كانت فى عهد ابن تيمية والعهد الحالى, وهو قياس خاطىء, بل أنهم  جعلوا بعض السنن فى مرتبة الواجبات ونزلوا ببعضها إلى مرتبة السنن، وتجاهلوا بعض التكاليف الأخرى ولم يفكروا فيها أصلاً، وأعطوا لأنفسهم الكثير من الحقوق على المجتمع وعلى الحاكم واستعلوا على الناس فأعطوا لأنفسهم من الحقوق الربانية على الخلق وعلى الأمة ما لم يعطها لهم أحد.
أما الأمر الغريب والذى يدعو إليه الإخوان ومن يسير فى ركابهم من الجماعات التى تدعى أنها جماعات إسلامية, فهو الخروج على الحكام أو مزاولة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر رغما عن الحاكم ودون الحصول على موافقته, رغم أن ابن تيمية والأئمة الأربعة رفضوا هذا التصرف ولم يقروه إلا أنهم مغالاة فى فكرهم وتنفيذا لفكر مرشدهم حسن البنا أخذوا به وحاولوا تطبيقه مرات عديدة غير أن السلطات تصدت لهم, وظهر بشكل فج فى حادث طالب السويس الذى قتله عدد من المنتمين لذلك التيار المتطرف والمتشدد فى أفكاره, كما أقر الإخوانى عبد القادر عودة فى كتابه "التشريع الجنائي فى الإسلام" الخروج على الحكام بحجة أن ذلك يمنع حدوث فتنة فى الدين، وفى ما تقول به فرق الخوارج.
السادات
أن الخوف من "الإخوان" ليس نابعا من حالة مرضية، لكنه يعود إلى الصورة السلبية التى رسمتها الجماعة منذ ظهرورها على سطح السياسة المصرية, خاصة فيما يخص قضايا الديمقراطية, الحرية, الإبداع، العلاقة بين الدولة والدين، المرأة, والمسيحيين, وظهر ذلك جليا عقب "إستيلائهم" على السلطة بمساعدة أمريكية صهيونية, فلم يستطعوا إقناع الخائفين من الدولة الدينية، والسلطان الإلهي للحاكم، ومصادرة الآراء, والقبض على المخالفين فى الرأى, وقتل المعارضين لهم فى الفكر, رغم المبادرات التى ظهرت على إستحياء ولكن دون صراحة تؤيد حرية الإبداع فى الفكر والفن والرأى, فمازال الخوف يملأ القلوب والعقول والفكر والوجدان.
هذا الخوف عبر الرئيس مبارك فى حديث له بجريدة "الأسبوع" عام 2007, بقوله: "أقول إن تيار جماعة الإخوان المحظورة هو خطر على أمن مصر لأنه يتبنى نهجا دينيا", مضيفا: "لو افترضنا أن هناك صعودا لهذا التيار فسوف تتكرر في مصر تجارب أخرى ليست بعيدة عنا لنظم تمثل الإسلام السياسي وما تواجهه من محاولات فرض العزلة عليها وعلى شعوبها".
يتابع: "كثيرون سيأخذون أموالهم ويهربون من البلاد كما أن الاستثمارات ستتوقف والبطالة ستتزايد بل وستعزل مصر نهائيا عن العالم", ورغم هذا الموقف من الجماعة كشف مبارك فى مذكراته التى نشرتها "روزاليوسف" هذا العام أن الجماعة طيلة الوقت كانت تبحث عن السلطة بكل قوتها ولم تكن جماعة دعوية دينية كما قالت عن نفسها، مشيرا إلى أنه أصيب بعدوى العداء للإخوان ممن سبقوه فى حكم مصر مشيرا إلى أنه حمى زعماء جماعة الإخوان المسلمين عدة مرات من بطش وزير داخليته وجهازه الأمنى الشرس، الذى كان يخطط للتخلص من زعماء الجماعة بتصفيتهم جسديا فى خطة أطلق عليها خطة "التكسيح", وأنه وقف ضد هذه الخطة الدموية التى كانت تساندها الولايات المتحدة نفسها ودول أوروبية أخرى، وقال ''لولا وقوفى بجانبهم لقتلهم العادلى واحدا تلو الآخر".
ظل مبارك طوال فترة حكمه يحذر الأمريكيين من خطورة وصول الإخوان لحكم مصر والبلاد العربية, وقال مقولته الشهيرة: "إذا تنحيتُ عن السلطة فسيأتي الإخوان المسلمون"، غير إن أمريكا أجرت محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الإخوان منذ عام 2005 داخل مصر وخارجها ونسقت معهم فى كيفية وصولهم إلى الحكم خدمة للمصالح الأمريكية, بزعم أن الإخوان إذا كانوا هم الأقوى وأنهم سيصلون إلى الحكم عاجلا أو آجلا, فلنعمل على توصيلهم نحن حتى يكون لنا النصيب الأكبر فى حكم مصر قبل أن يصلوا هم للحكم بأنفسهم، وهذا ما حدث.
حول هذه الجماعة المتمردة المرتبطة ارتباطا عضويا وتاريخيا بالحركة الماسونية والتى نشأت فى أحضان جهاز المخابرات البريطانية وجهاز المخابرات الأمريكية عام 1928, وتم تمويلها  بأموال إنجليزية, وبعد رحيل بريطانيا عن مصر, انفردت المخابرات الأمريكية بالسيطرة على الجماعة, وتوجيهها تبعا لمصالحها الخاصة فقط دون النظر إلى مصلحة مصر.
مبارك
تنشر "السياسة" هذه الدراسة التاريخية عن حقيقة جماعة "الإخوان" ومؤسسها "حسن البنا", وارتباطها بالماسونية العالمية, والتنظيم السرى الذى قام بالعديد من عمليات الاغتيالات, والتفجيرات, والتمويل الذى تحصل عليه من الخارج, وقسم البيعة على "السمع والطاعة" الذى يقسم عليه الأعضاء الجدد, وكيف يسيطر المرشد على كل أعضاء الجماعة ولا يستطيع عضو رفض أوامره وإلا تعرض للقتل, كما تتطرق الدراسة إلى علاقة الإخوان بالشيعة, وفكرة الخلافة, وعبادة المرشد, والمنشقون عن الجماعة, ووثيقة فتح مصر التي تم تنفيذها حرفيا, ولولاها ما وصل الإخوان إلى الحكم... وغيرها من القضايا التى يؤمن بها "الإخوانى", والتى لا يعلم عنها كثيرون خاصة من الشباب المغرر به, والذى ينساق خلف تلك الأحلام الوردية والشعارات الكاذبة التى يؤثر بها قادة الجماعة على عقولهم وأفكارهم, فنجدهم يندفعون خلفهم كالقطيع الأعمى ينفذ كل ما يطلب منهم, حتى لو كان حرق الممتلكات العامة أو الخاصة, ونهب محتوياتها تحت مبرر أنهم "كفار" أو أنهم ضد الإسلام وضد تطبيق الشريعة الإسلامية. 





نشرت هذه الحلقات أيضا بجريدة "السياسة" الكويتية.
يمنع النقل أو الاقتباس كليا وجزئيا دون الإشارة إلي المصدر, وبإذن من الكاتب.

هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع ..تسلم ايديك استاذي ..
    لكن هناك الكثيرون ممن انشقوا عن جماعة اﻹخوان المسلمين ولم يحدث لهم اي شيئ ظهروا في الغضائيات وكشفوا عن بعض اﻷسرار مثل عبد الجليل الشرنوبي واﻷستاذ ثروت ااخرباوي والذي صدر له كتابين في غاية الخطورة ..
    هل كان دورهم سيأتي في ااوقت اامناسب وهذه الثورة الشعبية ااعظيمو افسدت مخططهم ..ان هناك تغيرات فكرية دخلت على قيادات اﻹخوان ..ان انه سيتجلى فيما انهم مثل محمد حبيب الذي تم القبض عليه مؤخرا رغم انشقاقه عنهم وعبد المنعم ابو الفتوح والذ يطلق عليه حاليا حصان طرواده ال1ي ستعود الجماعة للحياة مرة اخرى من خﻻله ؟

    ردحذف