السبت، يوليو 20، 2013

الإخوان.. تاريخ أسود مسكوت عنه (11)


الإخوان.. تاريخ أسود مسكوت عنه (11)
يتجاهلها أعضاء الجماعة
أسرار علاقة البنا بأنور وجدى وحسين صدقى وعمر الشريف
المراغي شيخ الأزهر كان يذهب إلى الأوبرا ويحضر بعض احتفالاتها
الإخوان يهاجمون الشيخ خليل الحصري بسبب غناء ابنته
الشيخ الطوخى يكذب على صفحات "الاعتصام" أن الممثلة إيمان ابنته
التلمساني: تعلمت الرقص والعزف على العود وصليت الظهر والعصر مقصورين  ولئن سألوني عن الهوى فأنا الهوى وابن الهوى وأبو الهوى وأخوه!

كتب محمود خليل:
الهام شاهين
على شاشات الفضائيات, اتهم أحد أعضاء جماعة الإخوان الممثلة إلهام شاهين اتهامات في عرضها لم يقم عليها دليلا, مما أثار حفيظة الوسط الفني وهاجموا من هاجم زميلتهم, وخرجت الأقلام تدافع عنها وعن حرية الإبداع, رافضة الوصاية على الفن, أو اتهامات الممثلات باتهامات باطلة, معلنين رفضهم "أخونة" الفن.
رغم أن الإخوان يطيعون مرشدهم طاعة عمياء, فأنهم لم يطيعوه في تلك المسألة بل التجئوا إلى العنف في التعبير عن رفضهم للتمثيل والممثلات, ولم يكلفوا أنفسهم مشقة البحث عن علاقة البنا بالفن والفنانين, وكان من نتيجة ذلك أن قامت إلهام شاهين برفع دعوى سب وقذف وتشهير ضد عضو الإخوان, وهي دعوى مضمونة لأنه سب علني وعلى رؤوس الأشهاد في الفضائيات, ورغم لقاء مرسى مع العديد من الممثلين والممثلات, فإن الإخوان لم ينطقوا بكلمة ولم يهاجموا "رئيسهم" الذي استقبل الممثلات وصافحهم؟!, ولكن ذلك لم يقلل من تخوف أهل الفن من الإخوان و"أخونتهم" للإبداع.  
انور وجدى
كان عدد من علماء الأزهر المبجلين يذهبون للأوبرا في الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي، وكانوا يقيمون علاقات  صداقة وتعارف بالفنانين من أصحاب الفن المحتشم، كالشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الذي ذهب إلى الأوبرا وحضر فيها بعض الاحتفاليات، والغريب أنه ذهب للأوبرا في الثلاثينات من القرن الماضي، ولم ينتقد هذا الصنيع أحد من علماء عصره، ثم جاءت مرحلة الثمانينات لتكتب مجلة "التوحيد" التي تصدر عن جماعة أنصار السنة بمصر لتنبش في ماضي الرجل وتهاجمه هجوماً حاداً، تحت عنوان: "عمائم في الأوبرا"!!! ما اضطر ابنه الدكتور إسماعيل المراغي أن يكتب توضيحاً عن الفرق بين أوبرا الماضي وأوبرا الحاضر، وأن أوبرا الماضي كانت تراعي البيئة والالتزام فيها، فكانت تقدم فناً غير مسفٍّ.
كما كان الشيخ مصطفى عبد الرزاق شيخ الأزهر، معروفا بعلاقته بالفنانين، وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب وأم كلثوم, كما كان بين الفنانين من يحمل لقب شـيخ، ويباهي به، ولا يجد حرجاً فيه، ولا تستنكف الطبقة الفنية من ذلك، ولا تلفظه وترفضه، كالشيخ سلامة حجازي، والشيخ زكريا أحمد، والشيخ إمام عيسى، إلى آخر مطرب من طبقة المشايخ الشيخ سيد مكاوي.
في كتاب"ذكريات لا مذكرات" قال عمر التلمساني المرشد السابق للجماعة:  "إن في حياتي ما لا يرضي المتشددين من الإخوان أو غيرهم, كالرقص الإفرنجي والموسيقى وحبي للانطلاق, تعلمت الرقص الإفرنجي في صالات عماد الدين ، وكان تعليم الرقصة الواحدة في مقابل ثلاث جنيهات فتعلمت" الدن سيت", و"الفوكس تروت", و"الشارلستون ", و"التانجو"، وتعلمت العزف على العود, ولئن سألوني عن الهوى فأنا الهوى وابن الهوى وأبو الهوى وأخوه".
عمر الشريف
يذكر التلمساني تحت عنوان "صليت في السينما": "إنني لما كنت أباشر عملي كمحام، وانزل يوم الجمعة لأحضر بعض الأفلام السينمائية، وكنت أنتهز فرصة الاستراحة لأصلي الظهر والعصر مجموعين مقصورين في  أحد أركان السينما التي أكون فيها".
يقول عصام تليمة فى كتاب "خصائص الفن عند البنا": ربما يستغرب القارئ للوهلة الأولى من عنوان الفصل، فما شأن حسن البنا والفن؟, وهل فعلاً كان للبنا تجربة في الفن؟ وهل هذه التجربة ثرية لدرجة أن تم تناولها ، ويوجد فيها مادة تجعلها جديرة بالبحث؟.
هذه الأسئلة- والكلام لا يزال لعصام تليمة-  التي ربما يثيرها عقل القارئ، أثارها عقلي عند دراسة للموضوع عند الإمام البنا رحمه الله، ولكني بعد أن انقدحت محاور الموضوع في رأسي رأيت أنه بالفعل موضوع حري بأن يبحث، وأن يناقش ويثار، وهو من الموضوعات القلائل التي نأى الباحثون بأنفسهم وأقلامهم عن البحث فيها، إما لوضع نتائج مسبقة قبل البحث بأن علاقة البنا بالفن لن تتجاوز حدود إصدار فتوى، أو العروج من قريب أو بعيد بالفن من حيث الحل والحرمة لا أكثر .
حسين صدقى
يتابع: جعل البنا للفن مساحة ليست بالصغيرة في جماعة الإخوان المسلمين، فأنشأ فرقة مسرحية ـ بل فرقاً مسرحية ـ لعل أبرزها وأشهرها فرقة القاهرة، فقد أنشأ الأستاذ البنا في معظم شعب الإخوان المسلمين فرقا مسرحية، رغم أن أول رسالة صدرت تهاجم الفن والتمثيل عند جماعة الإخوان، كانت بسبب مسرحية قامت بها شعبة طنطا، التي قامت بتمثيل قصة (الذبيح إسماعيل عليه السلام) وأنهم جاءوا إلى المسرح بكبش، ومثلوا شخصية إسماعيل عليه السلام.
يقول محمود عبد الحليم في كتابه عن "المسرح عند الإخوان":  أقام البنا علاقات مع الفنانين، تركت أثراً طيباً عن دعوة الإخوان في نفوسهم، سواء كانت العلاقة بلقاء عابر لا يفوته فيه غرس معنى من معاني الإسلام الحسنة، أو بإقامة علاقة تواد وتودد معه، أو بظهور الدعوة أمامه بمظهر لا يدعوه للريبة من حملتها، أذكر من هؤلاء الفنانين ثلاثة فقط، هو ما وصلت إليه من خلال بحثي وتنقيبي في هذا الأمر.
ايمان الطوخى
أما أولهم فهو الفنان أنور وجدي، الذي كان له صيت ذائع في فترة الأربعينيات من القرن العشرين، والذي كان يلقب بفتى الشاشة، وله جمهوره المتابع لفنه، يقول الدكتور محمود عساف  :في يوم من أيام صيف عام 1945م، وكان الجو صحواً ونسمة خفيفة تداعب الشجر في ميدان الحلمية الجديدة، ذهبت إلى الأستاذ الإمام كعادتي كل يوم أتلقى تعليماته فيما يتصل بالمعلومات، وكان في ذلك الوقت غير مشغول بضيوف أو أعمال لها صفة الاستعجال، قال لي: قم بنا لنذهب إلى البنك العربي لنفتح حساب للإخوان هناك, "إذ لم يكن للإخوان حساب بأي بنك حتى ذلك الوقت" .
توجهنا إلى مكتب رئيس البنك وكان يتبع سياسة الباب المفتوح للعملاء، ويستطيع أي عميل أن يدخل إليه بغير استئذان، دخلنا وألقينا السلام، وجلسنا على أريكة مواجهة للمكتب، وكان هناك رجل جالس على مقعد مجاور للمكتب وظهره منحرف نحونا، وكان يتحدث مع شومان بك (رئيس البنك) وفي انتظارنا صامتين إلى أن تنتهي تلك المقابلة، فاجأنا شومان بك بقوله :
"أهلاً وسهلاً " بصوتٍ عال فجعل الجالس إلى مكتبه ينظر نحونا، وإذ بذلك الجالس ينتفض واقفاً ويهتف "حسن بك؟ أهلاً وسهلاً يا حسن بك"، ثم تقدم نحونا مصافحاً الإمام ثم إياي, ثم جلس على مقعد مجاور للإمام وقال: أنا أنور وجدي... المشخصاتي... يعني الممثل... طبعاً أنتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي كل يوم في حين أني والله أقرأ القرآن وأصلي كلما كان ذلك مستطاعاً .
سيد مكاوى
قال له الإمام: يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عصاة بحكم عملكم، فالتمثيل ليس حراماً في حد ذاته، ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراماً, وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمى للإسلام إذا عملتم على إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعوا إلى مكارم الأخلاق، بل إنكم تكونون أكثر قدرة على نشر الدعوة الإسلامية من كثير الوعاظ وأئمة المساجد .إني أرحب بك وآمل أن تحضر لزيارتنا بدار الإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة لنتبادل الرأي حول ما يمكن أن تسهموا به في نشر الفضيلة والدعوة إلى الله, بعدهـا رأينا لأنور وجدي "ليلى بنت الفقراء" .
اما الفنان الثاني فكان حسين صدقي الذي يشير بعض معاصري البنا إلى علاقة بينهما نهاية الأربعينات من القرن الماضي.
أما الفنان الثالث الذي يبدو أن البنا والإخوان أقاموا معه علاقة وتعامل، أو رأى منهم سلوكيات تشعره بموقفهم تجاه الفن، مما أثر في رأيه تجاه الإخوان بالإيجابية، فهو الفنان عمر الشريف الذي هاجت الدنيا بعد فوز الإخوان في انتخابات البرلمان المصري في نوفمبر 2005 م، متخوفين من موقف الإخوان تجاه الفن والثقافة، فصرّح أكثر من مرة بأنه لا أساس لهذا الخوف من الإخوان فهو يعرفهم منذ القدم، وهم ليسوا ضد الفن، ولا شك أن هذه الصورة تكونت لديه من نهاية الأربعينات وبدايات الخمسينات، كما ذكر في تصريحه، فقد غابوا بعد ذلك فترة طويلة وراء السجون إلى منتصف السبعينات .
ياسمين الخيام
السؤال لماذا اختفت هذه المواقف من تاريخ البنا, فلم تنشر ولم تُذكر، ولم يحكها أحد عنه إلا في أضيق المواقف؟! وهو أمر مستغرب بشدة من معاصري الرجل، كما لم يحرص حتى جيل السبعينات على إبراز هذه المواقف, والسبب قد يعود  إلى أن الإخوان بعد خروجهم من السجون في السبعينات، خرجوا وقد وجدوا صحوة بين شباب الجامعات، وقد غلب عليها طابع التشدد، فآثروا مسايرة تلك الصحوة الإسلامية, كما تأثر الخطاب الإخواني بالخطاب السلفي, وانتشار مبدأ سد الذرائع  بين أبناء الحركة الإسلامية.
وسادت لهجة التهييج الإعلامي والتشدد في مجلات الإخوان، "الدعوة", و"الاعتصام"، فقد هاجمت بشدة الشيخ محمود خليل الحصري رحمه الله شيخ المقارئ المصرية, بسـبب اتجاه ابنته "إفراج", أو ياسمين الخيام للغناء، رغم أنه لا ذنب له في ذلك، كما أنها لم تكن تغني غناءً فاحشاً، بل كان كل غنائها وطنيا وإسلاميا، مما أباحه عدد كبير من العلماء .
كما نفى الشيخ محمد الطوخي ـ المنشد الديني ـ علاقته بالممثلة إيمان الطوخي وأنه ليست ابنته، مخافة أن يلحقه أذى من أقلام الإخوان، ونشر تكذيبا أنها ابنته في مجلة "الاعتصام"  .




نشرت هذه الحلقات أيضا بجريدة "السياسة" الكويتية.
يمنع النقل أو الاقتباس كليا وجزئيا دون الإشارة إلي المصدر, وبإذن من الكاتب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق