الخميس، يوليو 11، 2013

الإخوان.. تاريخ أسود مسكوت عنه (3)


الإخوان.. تاريخ أسود مسكوت عنه (3)
أسسا سويًا جمعية "الحصافية الخيرية" لـ "محاربة المنكرات والتصدى للتبشير"
أحمد السكري هو مؤسس جماعة الإخوان الحقيقي
- البنا وصهريه "عابدين", و"رمضان" حولا الجماعة إلي النشاط السياسي الحربي بهدف الوثوب على الحكم
- السكري للبنا: جعلت الجميع يتحدثون عن أننا صرنا سلعة تباع وتشترى
- الجماعة تتهم السكري بأنه "محب للظهور والزعامة" و"التجسس على مخاطبات البنا الشخصية" و"تسريب وثائق الإخوان السرية إلى سراج الدين"
- عبد العزيز كامل في مذكراته: البنا لم يكن يؤمن بمبدأ الشوري فهي عنده غير ملزمة للإمام إنما هي معلمة فقط
- هيوارت دان: البنا ابدي استعداده للتعاون مع الإنجليز مقابل أربعين ألف دولار وسيارة وأن تظل العلاقة بينهم سرية

كتب محمود خليل:
أحمد السكرى
يعتبر أحمد السكرى، الشخص الأكثر إثارة للجدل فى تاريخ الجماعة، وكان يشغل منصب وكيل إمام الإخوان، حسن البنا، قبل أن يصدر الأخير قراراً بفصله منها، ليؤسس جمعية "الإخوان المجاهدون الأحرار"، ويتخذ لها مقراً فى ميدان الخديو إسماعيل، لكنها لم تدم كثيراً، فانضم بعدها إلى جماعة مصر الفتاة بعد يأسه من تأييد حزب الوفد، وقدمه أحمد حسين رئيس الحزب، إلي أعضاء هيئة الحزب على أن يكون وكيلاً له.
هناك روايتان للعلاقة بين السكرى والبنا, الأولي تشير إلي أن "السكرى" تعرف على حسن البنا فى جمعية الإخوان الحصافية، وأسسا سويًا جمعية "الحصافية الخيرية" برئاسته، والبنا سكرتيرا لها بهدف "محاربة المنكرات والتصدى للتبشير", وبعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية عام ١٩٢٨، أنشأ شعبة للإخوان بالمحمودية، وصار نائبا لها عام ١٩٢٩، وشارك فى أول اجتماع لمجلس شورى الإخوان فى ١٥ يونيو ١٩٣٣، ثم اختير عضواً منتدباً فى مكتب الإرشاد، وبعد أن انتقل الإخوان للقاهرة اختير وكيلاً لـ "البنا"، كما ترأس الإدارة السياسية لمجلة الإخوان المسلمين، قبل أن يفصل عام ١٩٤٧ لمخالفته "منهج الجماعة".
أما الرواية الثانية فتشير إلي أن حسن البنا أدرك أنه في حاجة إلى قوة أكبر تحقق طموحاته، ففكر في الانضمام إلى أحدى الطرق الصوفية ذات الانتشار الكبير في مصر، ووجد ضالته في الطريقة الحصافية فاشترك مع صديقه أحمد السكري في هذه الطريقة الصوفية.
علي أية حال فإن أحمد السكري يعد المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين, -حسب العديد من روايات أعضاء الجماعة- إذ أسسها سنة 1920 في المحمودية, بالاشتراك مع حامد عسكرية وعلي عبيد، وهذا الذي دعا حسن البنا للانضمام إليها, بينما أسس حسن البنا فرع الإسماعيلية سنة 1928, وكانت العلاقة بين البنا وأحمد السكري علاقة وثيقة جدا, وكانا يجوبان المحافظات المصرية للدعوة إلى الجماعة، وتمكنا من إنشاء فروعا لها في بعض المحافظات, واختار السكري باعتباره رئيس الجماعة, حسن البنا نائبا له. وحينما آثار البنا فكرة البيعة، فضل السكري أن يقدم البنا للناس وطالبهم بمبايعته مرشدا للجماعة فيما عين السكري وكيلا ونائبا للمرشد العام.
 افتتح البنا بعدما انتقل إلى القاهرة سنة 1932, أول مقر لمكتب الارشاد في العقار 24 حارة نافع, المتفرع من حارة عبد الله بك بالسيدة زينب. وبدأت الجماعة تعقد العديد من المؤتمرات العامة, وركز المؤتمر العام الأول على نشاط البعثات التبشيرية المسيحية وأساليب مواجهتها, وبحث المؤتمر الثانى أمور الدعاية التعليمية، فتم تأسيس شركة صغيرة لإنشاء مطبعة وإصدار مجلة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية ثم مجلة "النذير"، كما طبعت رسائل البنا التى أصبحت دستورا للجماعة ومبادئها فيما بعد كى يطالعها الشباب!
أعلن البنا عن تشكيل هيئة مكتب الارشاد لأول مرة فى مايو 1933. وضم كلا من مصطفى الطير, عبد الحفيظ فرغلى، حامد عسكرية, عفيفى الشافعى، خالد عبد اللطيف, أحمد السكرى، فتح الله درويش، محمد أسعد الحكيم كسكرتير للمكتب, حلمى نور الدين أمينا للصندوق، عبد الرحمن الساعاتى لإدارة شئون الجريدة.
انضم عبد الحكيم عابدين صهر البنا، وسعيد رمضان زوج ابنة البنا، للجماعة بعد ذلك, ولاحظ السكري أن البنا وصهريه حولا الجماعة إلي النشاط السياسي الحربي بهدف الوثوب على الحكم, فدب الخلاف بينهما. فقد رأى السكري أن البنا انحرف بالجماعة عن طريقها الديني في إرشاد المصريين، وعارض تكوين التنظيم السري وحمل السلاح الذي نادي به البنا.
اعترض أيضا عدد من أعضاء الجماعة على إدارة البنا, وانشقت عنه وأطلقت على نفسها "شباب محمد", بعدما رأت أن البنا انفرد بالسيطرة على الجماعة ويقوم بأعمال سرية لا يعرف عنها غالبية الأعضاء شيئا, وكان فى مقدمة هذه الأحداث إنشاء الجهاز الخاص, أو التنظيم السرى أواخر الثلاثنيات, والذى تحول عن دوره فى المشاركة فى الجهاد في فلسطينى، إلى أداة لتصفية الحسابات مع أعداء الجماعة, أو مع أعضاء الإخوان الذين لهم رؤية ووجهة نظر أخرى تختلف عما رسمه البنا.
حسن الهضيبى
انفرد البنا بقيادة الجماعة, ودار جدل كبير حول سلوك عبد الحكيم عابدين صهر البنا وانحرافاته, فما كان من البنا إلا أن أصدر القرار رقم (5) لسنة 1947 بفصل كل المعترضين على سلوك عبد الحكيم، وكان من بين من تم فصلهم السكري, حسن عابدين, خالد محمد خالد، والشيخ الغزالي, وبدلا من معاقبة صهره عبد الحكيم عابدين جعله وكيلا ونائبا له في قيادة الجماعة. هاجمت جريدة "صوت الأمة" في عددها الصادر في 8/11/1947, لتستره على صهره وإبعاد قيادات الجماعة ومن بينهم مؤسسها أحمد السكري.
لقد كان لابد من نشوب الخلافات بين البنا وبين أحمد السكرى وكيل الجماعة, مما دفع الثانى لكتابة رسالة للبنا كشف فيها العديد من الممارسات والمخالفات التى فعلها البنا, وقال فيها: "يا أخى لم تبال بصيحات الأحرار بل عملت على اقصائهم الواحد تلو الآخر، ولم تبال كذلك بما نسب من المسائل الأخلاقية إلى بعض من صدرتهم القيادة والإرشاد بعد أن ثبت واعترفت أنت بما وقع، وأصبحت الدسائس والفتن الداخلية والدعاية الباطلة ضد الأحرار وارتباك النظم وفساد الإدارة مرتعا خصبا داخل صفوفنا, لقد وصلنا إلى تدهور واضطراب لا يخفيه هذا الطبل الأجوف, والدعايات الفارغة التى تمتلئ بها جريدة الجماعة كل يوم، وعندما ذكرت لى أنك ترغب فى تنحيتى من الجماعة بناء على طلب من بعض رجال السياسة الذين ترغب فى الاتصال بهم, ووقفت أمام هذه المؤامرة, ولم أشأ أن أكشف الستار عما وراء الكواليس حرصا على الدعوة, وأملا فى الإصلاح، كما سمحت للانتهازيين والمأجورين الدخول فى صفوفنا، وعندما عارضتك فى ذلك ضربت ضربتك الثانية، وأخرجتنى من "الجريدة" التى لا يعلم الناس أن سر تدهورها هو سيطرتك عليها ولدى من الأدلة والمستندات ما يؤكد ذلك، وأسفرت وكشفت القناع متماديا بالدعوة فى الانزلاق السياسى مع الغفلة التامة عن أهدافنا ومبادئنا مما جعلنا مضغة فى الأفواه, وجعلت الجميع يتحدثون عن أننا صرنا سلعة تباع وتشترى".
اختتم السكرى رسالته للبنا بقوله: "يا أخى إنى أدعوك بدعوة الإسلام أن تعود إلى مبادئ هذه الدعوة وتخلع عنك رداء السياسة الحزبية وتجاهد معنا فى سبيل المثل العليا التى تعاهدنا عليها، وإما أن تتخلى ليحمل اللواء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وإلا فإنى مضطر لأن اكشف اللثام وأظهر ما خفى واسترد، واحمل مع إخوانى الأطهار لواء الدعوة، وحسبك دنياك ومن يحوطك من أهلها وأن شعرت أن بيدك سيف المعز وذهبه فإن معى ربى سيهدينى!
عقدت الهيئة التأسيسية فى 27 نوفمبر 1947, وقررت فصل أحمد السكرى بناء على تفويض من حسن البنا باعتباره ناقضا للعهد, حانثا لليمين, خارجا على الجماعة, ومحاربا للدعوة، مما اضطر السكرى لتقديم استقالته التى نشرت بالصحف فى أكتوبر 1947, قال فيها: "لا اكتمك الحق يا أخى ما كنت لأتصور يوما أن يبلغ بك الأمر فيطاوعك قلبك وضميرك وتطاوعك هذه العاطفة التى دامت بيننا سبعة وعشرين عاما، يعز علىّ ويؤسفنى كل الأسف أن اضطر للرد عليك بسبب تمسكك بموقفك, ورفضك اتباع الخطى المثلى التى تصلح ذات بيننا, وتحقق للدعوة أهدافها الكريمة, وتماديك للسوء فى الأقاليم للتشويه من سمعتى, والحط من كرامتى زورا وبهتانا، إما أنك تستبد وحدك بالأمر وتقوم بإقصاء من تشاء, وفصل من تشاء, هربا من التحكيم وفرارا من مواجهة الموقف, ودون تمكين من تتهمه أو يتهمك من إبداء رأيه, والدفاع عن نفسه فإن هذه ديكتاتورية يابأها الإسلام وتأباها الشرائع، وإن قلت إن مبايعة الإخوان لك تقتضيك التصرف الفردى فى شئون الدعوة وشئونهم, فإن الحق يرد عليك فى ذلك بأن البيعة هى فى حدود ما أنزل الله لا فى تحكيم الهوى, والخروج على المبادئ, ومسايرة أهل الدنيا على حساب الدعوة".
كما نشر السكرى ٢٤ مقالاً فى "صوت الأمة" تحت عنوان "كيف انزلق البنا بدعوة الإخوان؟" رصدها الباحث عبد الرحيم على، الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية، فى كتابه "الإخوان المسلمون.. قراءة فى الملفات السرية".
حسن البنا
نشرت أيضا جريدة "صوت الأمة المصرية" بتاريخ 31/10/1947, مقالا لـ "علي أحمد عبيد" المدرس بالمحمودية، زميل حسن البنا بعنوان "الشيخ حسن البنا يفصل الأستاذ السكري", أشار فيه إلي أحقية البنا في قيادة الجماعة وصدق توجهه. كما أشارت الموسوعة الرسمية لتاريخ الإخوان المسلمين, إلي السمات الشخصية "السيئة" للسكرى والتى اعتبروها "ليست تجريحاً فى شخصه" ولكنها "مواقف تضىء لهم تفسير حادث خروج السكرى عن الجماعة" فهو "محب للظهور والزعامة"، وكان "يتجسس على مخاطبات البنا الشخصية، وسرب وثائق الإخوان السرية إلى فؤاد سراج الدين لينشرها فى حزب الوفد، فضلاً عن أنه استغل الدعوة لأغراض شخصية".
فيما يؤكد الإخوان، أن أسباب فصل السكرى بدأت حينما شن السكرى هجوماً على البنا فى مقالات له بجريدتى "صوت الأمة" و"الكتلة"، ذكر فيها أن البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية، وهى اتهامات لم يستطع السكرى، -وفقاً لراوية الإخوان-، أن يقدم سنداً بصحتها, إلا أن المستر "هيوارت دان"، يروى في كتابه "الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة", الذي كان صديقا شخصيا للبنا, أن البنا طلب من بعض المصريين بالسفارة البريطانية نقل استعداده للمندوب السامى البريطاني فى القاهرة استعداده  للتعاون مع الإنجليز, بعد أن وعى درس الاعتقال, مقابل أربعين ألف دولار وسيارة، وأن تظل العلاقة بينهم سرية.
كان الإنجليز يتابعون الجماعة وتحركات البنا, وحينما اطلعوا علي خطته في تكوين   الجهاز السري زودوه بالسلاح لقتل معارضيهم من الوطنيين المصريين, وأعطوه "500 جنيه انجليزي" من صندوق ادارة قناة السويس لإنشاء مقرا للجماعة في القاهرة.
كانت تساؤلات عديدة أثيرت في مصر في تلك الفترة عن علاقة الإنجليز بالإخوان, وعدائهم لمصر, وعندما قامت حكومة الوفد بإلغاء معاهدة 1936، أكد حسن الهضيبي المرشد الثاني في مقال له نشر في جريدة "الجمهور المصري" في 15 اكتوبر سنة 1951 أن أعمال العنف لا تخرج الإنجليز من البلاد. وقال مخاطبا الإخوان "اذهبوا وأعكفوا على تلاوة القرآن الكريم", رد عليه خالد محمد خالد في مقال له نشر في روز اليوسف بعنوان "ابشر بطول سلامة يا جورج" نعى فيه الإخوان لموقفهم المتخاذل تجاه الإنجليز, خاصة بعدما صدرت الأوامر للإخوان بعدم مقاومة الانجليز أو قتلهم، بينما استباحوا قتل, النقراشي, أحمد ماهر، الخازندار, وحاولوا قتل حامد جودة.
لكن يبدو أن ما ذكرته الموسوعة غير صحيح لأنها تذكر بعد ذلك أن السكرى اتهم البنا، بالاستبداد فى اتخاذ القرار، فقررت الهيئة التأسيسية للإخوان توجيه اللوم إليه واتخذت قراراإعفاء كل من الأستاذ محمد عبد السميع الغنيمى أفندى, والأستاذ سالم غيث أفندى, والأستاذ أحمد السكرى أفندى, من عضوية الجماعة، لما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ أحمد السكرى، واعتباره مُناقضاً للعهد حانثًا باليمين خارجاً على الجماعة مُحاربًا للدعوة، وكذلك كل من اتصل به أو ناصره".
أما  الدكتور عبد العزيز كامل, عضو النظام الخاص بالإخوان, ووزير الأوقاف الأسبق, فقد أدان في مذكراته التي صدرت عن "المكتب المصري الحديث"، عدم إيمان حسن البنا بمبدأ الشوري، وإتباع النظام الخاص أسلوباً يشبه النظم الماسونية، وعدم حنكة الجماعة في اتخاذ القرارات بل والتسرع فيها اعتقاداً منها أن الله سيتكفل بإصلاح أخطائهم.
حاول كامل دراسة جوانب شخصية المرشد الأول للجماعة، ولماذا لم يختر لنفسه اسم الرئيس أو ما شابهه. وأدرك فيما بعد أن لقب المرشد نبع من إتباع البنا الطريقة الصوفية الحصافية بالبحيرة، وتردده علي مجالس الذكر فيها مما ترك لمسة صوفية علي تصرفاته.
يؤكد كامل في مذكراته أن البنا لم يؤمن بمبدأ الشوري، وأن الشوري عنده غير ملزمة للإمام، وإنما هي معلمه فقط، وقد كتب البنا هذا الرأي ودافع عنه ولم يتحول عنه، بل وسرَّي هذا الفكر إلي من حوله في أواخر الثلاثينيات، حيث كان يسمع كثيراً كلمة "بالأمر" رغم أنها كلمة عسكرية، ولهذا لا يجد عضو الإخوان من يناقشه إذا كلفه رئيسه المباشر بأي أوامر بل ينبغي أن يكون هذا محل تسليم، وهي نقطة الخطورة التي أصابت جسم الإخوان بالخطر، حيث أسس البنا النظام الخاص علي السمع والطاعة والكتمان وهو ما سهل خروج النظام عن أهدافه.




نشرت هذه الحلقات أيضا بجريدة "السياسة" الكويتية.
يمنع النقل أو الاقتباس كليا وجزئيا دون الإشارة إلي المصدر, وبإذن من الكاتب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق