الحكومة لا تعرف معنى "الستر"
قصة السيدة التى "دعت" على الحكومة واستجاب لها المولى عز وجل
كتب محمود خليل:
"كلما وجدت الشعب يشكو ويعانى أضع يدى على قلبى وأقول استرها يا رب", هذه العبارة كتبتها منذ سنوات فى مقال نشرته "الأحرار", وكلما عدت إليه, تذكرت أحداث 25 يناير, وقلت فى نفسى:
ألم يكن هذا المقال, جرس انذار للحكومة, حتى تصلح من أمرها, وتعلم ان كرسيها غير مستقر, ويمكن فى أى وقت أن ينكسر, بل يمكن أن تجد نفسها بلا كرسى, من الأساس؟!
ألم يكن هذا المقال تنبؤ بحدوث, ما جرى فى 25 يناير؟!
هل ساهم هذا المقال مع غيره من المقالات فى أحداث يناير؟!
كدت اتشاجر مع نفسى, واسأل هؤلاء الذين وضعوا طينا على أذنهم, حتى لا يسمعوا أنين الشعب, وشكواه, بل نشك إنهم قطعوا أذنهم, تماما حتى إذا تحدث الشعب أشاروا إلى إنهم لا أذن لهم, ولكنهم نسوا إن ذلك لن يعفيهم من المسئولية, ونعتقد إن الزمن لو عاد بهم, فسوف يعيدون قراءة كل ما كتبناه وكتبه غيرنا, وتنفيذه, بل كانوا سينزلون إلى ميدان التحرير للاستماع إلى شكاوى الشعب ومشاكله, وحلها.
عدت مرة أخرى إلى الواقع وتظهر مظاهرات قنا امام عينى, فالحكومة الحالية لم تتعلم الدرس, وبدلا من النزول إلى الناس للاستماع إليهم, وحل مشاكلهم, تركوهم حتى فاض بهم الكيل, وقطعوا طرق المواصلات, واعتصموا فى الشارع لمدة عشرة ايام, دون ان يكلف مسؤولا خاطره, للاستماع إليه, ومن استمع لم يكن فى يده حلا, بينما الحكومة ركزت على إنه لا يجب أن "تطاطى", للشعب حفاظا على هيبتها, ناسية أن هيبة الحكومة, "خلاص", انتهت وهذه الهيبة صارت من عهود ماضية, بعد أن تجرأ الشعب على هيبة الحكومة, واقالها, وقدم رموزها للمحاكمة, وتعدى على الشرطة, والجيش, حيث سقطت كافة المحاذير, وصار كل شخص يفعل ما يريد, وهو مسوف يؤثر على اقتصاد البلاد واستقرارها, لسنوات قادمة قد تطول إلى عشرين عاما, حتى تعود هيبة الحكومة, وهيبة رجل الشرطة, إلى سابق عهدها.
على اية حال نعيد نشر ما كتبناه, لعل الحكومة الحالية تعيد قراءة المقال, حتى تتجنب "دعوة", تلك السيدة, التى قصصنا حكايتها, بل "دعوة" غالبية الشعب, وهذا هو نص المقال الذى نشرناه بتاريخ: 26 سبتمبر 2009 ..
ربنا ينتقم منك يا حكومة
بقلم: محمود خليل
ذهبت كالعادة لاستلام حصتى التموينية من البقال التموينى التابع له وهناك وجدت "لمة" حول المحل وسيدة عجوز تكاد تبكى وهو تطالب البقال بتغيير حصتها من الأرز -أربعة أكياس وفى صينية وضعت كيسا أخر- تحاول اقناع البقال أن يراه ويفحصه جيدا ليرى ما به من دود وسوس وحشرات دقيقة وحشرات أخرى سوداء.
السيدة تستعطفه بصوت مخنوق ضعيف: يا بنى غير لى الرز أو ادينى حقه دا مليان سوس وحشرات ودود زى ما أنت شايف وأنا مابقتش أشوف كويس عشان أنقيه من الحشرات دية.
البقال: يا ستى أنا ماليش دعوة أنتى خدتى الرز ومشيتى ما اعرفكيش بعد كده إذا كان الرز مش عاجبك ما تبقيش تخديه بعد كده.
السيدة: يعنى أيه.. أجيب منين عشان اشترى الكيلو من بره باربعة ولا خمسة جنيه.
البقال: يا ستى ده الرز اللى بتجيبه الحكومة أنا مش زارعه فى أرضى.
السيدة: طيب يا بنى اعمل معروف أدينى حق الاكياس اللى مفتحتهاش.
البقال:عندك الحكومة روحى اشكينى لها وعندك وزارة التضامن روحى قولى للوزير الكلام ده أديله الاكياس وخدى حقهم منه.
السيدة: تضامن مين ووزير مين يابنى هوه باعرف اتحرك دا أنا جايالك بالعافية.
البقال: ياستى ده أخر كلام عندى ياللا بقه خلينى أشوف شغلى.
السيدة: ليه كده يا حكومة هوه أحنا ناقصين مرض.
تلقى السيدة بأكياس الأرز بجانب الحائط وهو تردد روحى يا حكومة منك لله إلهى ما تكسبى أبدا.
السيدة المصرية تتعامل مع الحكومة وكأنها شخص ولا تدرى إنها كيان افتراضى يضم أشخاص عديدون يسمون وزراء وكل وزير يسيطر على جزء من البلاد والمفروض يديره لصالح الشعب.
رفضت استلام حصتى التموينية وعدت إلى المنزل ورويت لزوجتى ما حدث بين السيدة والبقال فقالت لى: السيدة فعلت ما أفعله كلما دخلت المطبح لطهى الطعام فالأرز بالفعل ملىء بالدود والحشرات السوداء والدقيقة وأظل "أنقيه" فترة طويلة وأغسله بأكثر من عشرة أضعاف المياه التى أغسل به الأرز العادى والأدهى من ذلك إن المياه لا تكون صافية أبدا رغم مرات الغسيل الكثيرة بل إن الأرز بعد تصفيته بالمصفاة تجد حوالى خمس الكيس عبارة عن حبات أرز دقيقة جدا كأنها دقيق.
قلت لزوجتى: أى إن الحكومة حتى توفر بضعة ملايين من الجنيهات وتعطى الشعب أرز درجة رابعة أو خامسة تهدر ملايين مضاعفة مقابل ذلك فالمياه التى يغسل بها أرز التموين يمثل عشرة أضعاف الماء الذى يستهلك لغسل الأرز العادى بخلاف الهالك من كل كيلو ناهيك عن الأمراض التى تنتج من تناول الشعب لهذا الأرز واستهلاك أدوية بملايين الجنيهات لعلاج تلك الأمراض بخلاف إن المرض سينتج عنه أجازات والأجازات تعطيل للعمل وتعطيل العمل ينتج عنه ضعف فى الإنتاج القومى..
أما الأخطر فهو تذمر الشعب من الحكومة وعدم رضاه عن الحياة فى مصر مما يعنى فقدان الأنتماء للبلد وعدم الأنتماء يعنى انتهاز أى فرصة للانتقام من البلد ممثلا فى الممتلكات العامة ناهيك عن دعاء الشعب على الحكومة ونحن نرى إن هذا الدعاء لن يضيع هدرا فالله سبحانه وتعالى سميع قدير لا يرضى بالظلم ففشل الحكومات المتعاقبة فى حل مشاكل البلاد والأزمات التى تمر بنا من حين إلى أخر نعتقد بكل يقين إنها نتيجة هذا الدعاء وإن كان البعض يهون منه ولا يعتقد أن له دخلا فيما تمر به البلاد فهذا ضعف إيمان وتكبر واستكبار على المولى عز وجل.
قالت زوجتى: هل تصدق إننى وكل من أعرفه حينما يصلين الفجر أو أى صلاة أخرى ندعو على الحكومة مثلما دعت تلك السيدة التى رويت لى قصتها مع البقال.
قلت: ولماذا؟
قالت: الخضروات والفاكهة والأسماك واللحوم والدواجن والمعلبات والجبن كلها صارت فاسدة بلا طعم وبدون فائدة غذائية.
قلت: كيف؟
قالت: لحظة واحدة ..
تركتنى زوجتى وذهبت إلى المطبخ وجاءت وفى يدها طبق به خضروات وفاكهة وجبن وقالت: أمسك قرن الفلفل فأمسكته فإذا به وقد تحلل ومثلة ثمرة العنب والجوافة وأما الجبن فقد انتشرت عليه مادة لزجة سوداء.
قالت: لقد وضعت هذه الخضروات والفاكهة منذ ثلاثة أيام فقط.
قلت لها منزعجا: وهل هذا ما نأكله من يديك؟
قالت: لا بالطبع فأنا أنظف الجبن وأقشط ما فسد منه ومن الخضروات والفاكهة وأنظفه بالماء عدة مرات.
قلت: مرة أخرى إهدار فى المحاصيل والماء يا الله أين الحكومة لترى المصيبة والكارثة التى نعانى منها ويعانى منها الشعب والنتيجة خسائر بملايين الجنيهات كل عام.
قالت: ألم تسمع الحكومة وهى تنادى بتحديد النسل أو تنظيمه لإن الشعب زاد عدده عن إمكانيات الحكومة؟
قلت: الزيادة السكانية لا دخل لها فيما نحن فيه ونعانيه فدول مثل الصين واليابان والهند وأندونيسيا وغيرها لا تمتلك الإمكانيات التى نمتلكها وعدد سكانها أكبر من عدد السكان فى مصر ورغم ذلك لا يعانون مما نعانى بل كل شىء هناك يسير بشكل عادى ولم يشك أحدا هناك من الزيادة السكانية ولم يشك أحدا من فساد الخضروات والفاكهة والأغذية بشكل عام مثلما نعانى فى مصر.
قالت: هل ترى إن هناك مؤامرة للتخلص من الشعب المصرى؟.
قلت: لا أخفى سرا إننى بدأت أشك فى تلك المؤمراة وقد لا يكون الأمر مؤامرة بالمعنى المفهوم ولكنها سياسة تجويع الشعب وإلهاؤه فى لقمة عيشه حتى لا يفكر فى أى شىء أخر.
قالت: هل تقصد السلطة؟.
قلت: ليست السلطة فقط ولكن أن يفكر الشعب من وجهة نظر الحكومة فهذا شىء خطير!!.. رغم إن الشعب إذا عاش عيشة "مرتاحة" ووجد كل شىء متاح وبصورة جيدة فسوف ينتج بل سيدعو للحكومة بدلا من الدعاء عليها وسيطالبها بالبقاء أما إن الشعب يظل يعانى من كل شىء حتى فى لقمة العيش فإنه سيفكر فى ضرورة الانقلاب عليها أو التشجيع على ذلك أو الدعاء أن يتم ذلك وبأسرع وقت ولهذا كلما وجدت الشعب يشكو ويعانى أضع يدى على قلبى وأقول استرها يا رب.
قالت: الستر نعمة لا يعرفها إلا من عاشها ومن فقدها أيضا ولولا الستر ما كنا نستطيع توفير حاجياتنا وحاجات أولادنا الأساسية.
قلت: نعم بكل تأكيد ولكن الحكومة لا تعرف معنى الستر وأهمية أن تستر الشعب وتجعله لا يتسول لقمة عيش نظيفة وكوب ماء نقى وشمة هواء نظيف ومواصلة مريحة نظيفة ومسكن صحى آمن ومستقبل مضمون فسترها للشعب سيرتد عليها سترا لها من الله سبحانه وتعالى من الفضائح والأزمات والمشكلات ويغنيها عن الطمع فى مال الشعب.
قالت: يارب استرنا ولا تفضحنا.
وبغير شعور وجدت نفسى أردد ما قالته السيدة: ربنا ينتقم منك يا حكومة, إلهى ما تكسبى أبدا, ياللى أكلتينا الرز بدوده, وسوسه والخضار والفاكهة اللى اتروت بمية المجارى, والفراخ الفاسدة, واللحمة المسرطنة, والدقيق الفاسد, والسمك الملوث.
يااااارب
اللهم استر من سترنا
وأفضح من فضحنا
وانتقم من الحكومة
بحق هذا الشهر الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق