الأربعاء، يونيو 01، 2011

عبد المنعم ماجد: إدعاء المسيحيين أنهم هم "القبط" خلط وخطأ تاريخيين


أكد إنها مغالطة تاريخية كبرى:
عبد المنعم ماجد: إدعاء المسيحيين أنهم هم "القبط" خلط وخطأ تاريخيين
من أقام فى بلد لأكثر من أربعة عشر قرنًا ليس ضيفا
لم يعرف عن عمرو بن العاص إنه تدخل فى شئون الكنيسة بطوائفها المختلفة
الولاة المسلمون سمحوا للمسيحيين ببناء أديرة وكنائس جديدة رغم شروط الصلح

كتب محمود خليل:
تتلمذت على يد الأستاذ الدكتور عبد المنعم ماجد أستاذ التاريخ الإسلامى فى كلية الآداب جامعة عين شمس, ورغم إنه قرر علينا كتابا واحد من مؤلفاته, فإننا لم نركن إليه وحده بل بحثنا عن مؤلفاته الأخرى واشتريناها, ورغم إنها كانت باهظة الثمن وقت تلمذتنا الجامعية فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى, فإن حبنا للاطلاع والبحث دفعتنا لذلك, وقد عدنا إلى كتابه التاريخ السياسى, الذى غاص فيه فى تاريخ مصر القديم لتأصيل الوجود الإسلامى فى مصر, ودفاعا عن حق المسلمين فى وطنهم مصر, ورد أيضا على فكرة أن الأقباط تعنى المسيحيين فقط, ليؤكد لنا كذب وتدليس المسيحيين, ومحاولتهم على الطريقة اليهودية إثبات حق ما ليس لهم حق فيه, للحصول على مزايا لايحق لهم الحصول عليها, وتأكيد أيضا على رفضه التزوير التاريخى الذى يحاول المسيحيون القيام به عن طريق التكرار.
يقول الدكتور عبد المنعم ماجد:
غلبت على هذه البلاد - مصر- التسمية اليونانية Aegyptos إيجبتوس ـ ومنها أخذت الكلمة الأوروبية Egypt  التى لعلها مشتقة من أحد أسماء منف عاصمة مصر القديمة، ونجـِد مع مرور الأيام وتقلبها أن المرء الذى يعيش على هذه الأرض (مصر) تحولت نسبته إلى جبتى ثم جبطى، نسبة إلى إيجبتوس، وتطور اللفظ إلى قبطى مع دخول اللغة العربية إلى مصر إبان الفتح الإسلامى، عام 640 م، فأصبح كل من ينتمى إلى هذه الأرض بالتعبير الشائع هو قبطى أى مصرى، فلما استتب الأمر للفاتح المسلم العظيم عمرو بن العاص ودخل المصريون القبط فى الإسلام أفواجًا؛ ميّز النصارى الباقون على دينهم أنفسهم بأن ادّعوا أنهم هم القبط، وباقى المصريين مصريون لكنهم ليسوا قبطًا! مع ما فى ذلك من خلط وخطأ تاريخيين، فكل المصريين الذين ينتمون إلى هذا البلد؛ مسلمين أو مسيحيين؛ أصلهم وأجدادهم لابد أن يكونوا قبطًا، وإلا؛ فبماذا كان يدين أهل مصر قبل أن يدينوا بالمسيحية؟ وبماذا كانوا يدينون على عهد الفراعنة ومن تلاهم من الفرس والرومان واليونان؟
ولا شك أن مصريى اليوم جميعهم ينتمون إلى أجدادهم وأسلافهم الذين سكنوا هذه الأرض منذ فجر التاريخ، ومع تطور الحضارة الإنسانية وتداخل الحضارات فى وادى النيل مع تعدد الغزاة والمستوطنين؛ لم يعد هناك جنس نقى على أرضها، فقد يكون جدى قبل فتح مصر مسيحيًا يعقوبيًا أو مسيحيًا ملكانيًا، وقبلها كان جده مجوسيا أو يهوديا، ومن قبلهم كان أجدادهم وثنيين يعبدون حكامهم أو فراعنتهم، وما يجمع هؤلاء جميعًا أنهم انتموا إلى الأرض التى تحيط بنهر النيل منذ نشأة الحضارة المصرية أم الحضارات، أى أنهم جميعهم قبطٌ مصريون، ونسبة إخواننا المسيحيين بتسميتهم بالأقباط نسبة إلى اسم مصر اليونانى فيه مغالطة تاريخية كبرى، فكلنا على أرض هذا الوطن أقباط ولاد أقباط.
يقول المؤرخ جوستاف لوبون فى كتابه "حضارة العرب" وهو فى معرض الكتابة عن سلوك المسلمين القويم إبان فتحهم لمصر:
(لم يكن سلوك عمرو بن العاص فى مصر أقل رفقًا من عمر، فقد عرض على غير المسلمين حرية دينية تامة، وعدلا مطلقًا، واحترامًا لأموالهم وممتلكاتهم، وجزية سنوية ثابتة لا تزيد على خمسة عشر فرنكًا عن كل رأس، وقد بالغ العرب فى الوقوف عند حد الشروط والتقيد بها، فأحبهم المصريون الأقباط الذين ذاقوا الأمرّين من ظلم وجور عمال القسطنطينية النصارى، وأقبلوا على اعتناق دين العرب ولغتهم أيّما إقبال).
ويؤكد فى موضع آخر: (ليس من العدل أن يقال إن كل من أسلم من القبط إنما كان يقصد الدنيا وزينتها، وإذا كان منهم من أسلم طمعًا فى أن يتساوى بالمسلمين الفاتحين حتى يكون له ما لهم وينجو من دفع الجزية؛ فإن هذه المطامع ما كانت لتدفع إلا من كانت عقيدتهم غير راسية، أما الحقيقة المرة فهى أن كثيرين من أهل الرأى والصحافة قد كرهوا المسيحية لما كان من عصيان لصاحبها إذ عصت ما أمر به المسيح من حب ورجاء فى الله، ونسيت ذلك فى ثوراتها وحروبها التى كانت تنشب بين شيعها وأحزابها، ومنذ بدا ذلك لهؤلاء العقلاء لجأوا إلى الإسلام بكامل إرادتهم فاعتصموا بأمنه، واستظلوا بوداعته وطمأنينته وبساطته).
وقد استظل هؤلاء بمن قدموا إلى أرضهم فاتحين مبشرين بدعوة الإسلام، فاستقبلوهم وأعانوهم على خصومهم من الرومان، لما ذاقوه من التعسف والجور منهم، واختلط الفاتحون بأهل مصر الأقباط حتى أصبحوا بوتقة واحدة لا تفك عراها، ولم يعد هناك فاتحون أو قبط فقد دخل الأقباط فى دين الله أفواجًا عن طيب خاطر لما لمسوه من تعامل سام وتسامح دينى لم يشهدوا له مثيلا، فلم يعتبرهم أهل مصر ضيوفا كما يقول البعض، ومن أقام فى بلد لأكثر من أربعة عشر قرنًا فهو ليس ضيفا، وإنما يصبح بطبائع الأمور هو أهل البلد وخاصة إذا اعتنق معظم من كان موجودًا من الأقباط الدين الجديد وتحدثوا اللغة العربية القرآنية الوافدة فى ذات الوقت الذى اندثرت فيه لغتهم.
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالقبط؛ أى أهل مصر فقال: (استوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما)، والرحم هى السيدة هاجر أم إسماعيل، ونفذ الفاتح عمرو بن العاص وصية النبى صلى الله عليه وسلم فأرسى بها قيمًا ومبادئ كانت دستورا لحكم البلاد، ولاشك أن أهل مصر الأقباط قد وجدوا فيها روحا جديدة لم يعرفوها فى أحد الغزاة السابقين، ولم تكن هذه المعاملة الحسنة اللينة للقبط من الوالى عمرو بن العاص وحده، بل كان كل الولاة الذين جاءوا بعده يسيرون على نهجه، فلم يتدخلوا فى أمور العقيدة النصرانية، أو فى اختيار زعمائهم الدينيين، وإنما تركوا كل ذلك لأحبارهم وأساقفتهم، وقد أكدت كل الشواهد التاريخية أن المسلمين سمحوا للقبط ببناء أديرة وكنائس جديدة إبان حكمهم برغم أن شروط الصلح كانت تتضمن فقط إصلاح ما تهدم من الكنائس بأيدى الروم، وليس بأيدى المسلمين، وكل كتب التاريخ تؤكد ذلك، حتى إن كنائس كثيرة تم بناؤها فى القرن السابع الميلادى عام 20 للهجرة فى ظل ولاية عمرو لمصر، ولم يعرف عن عمرو أبدا أنه تدخل فى شئون الكنيسة بطوائفها المختلفة، بل ترك كل فرد يعبد الله على هواه، كما أمر الله فى محكم آياته: (لكم دينكم ولى دين).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق