الأربعاء، مارس 30، 2011

الشعب المصرى يصوت ضد "نكسة" 25 يناير


دلالات نتائج الاستفتاء على تعديلات الدستور
الشعب المصرى يصوت ضد "نكسة" 25 يناير
77 بالمائة يقولون نعم للاستقرار و23 بالمائة يطالبون بالفوضى
المصريون يرفضون الوصاية الأمريكية والكنيسة والليبراليين واليساريين والعلمانيين
"علقة" البرادعى رفض مبكر لترشحه على كرسى الرئاسة
نتيجة الاستفتاء تحذير للجميع: الصامتون قادمون
متى يتخلص بعض المصريين من "الدعارة" الفكرية والإعلامية؟

كتب محمود خليل:
خرجت عملية الاستفتاء على تعديلات الدستور يوم 19 مارس 2011 بعدة نتائج ومشاهد مهمة, تشير إلى وعى الشعب المصرى وتحضره, ووعيه السياسى لكل ما يدور على الساحة السياسية, رغم "الزن ع الودان" الذى مارسه ويمارسه التليفزيون الرسمى, من "تمجيد" و"تأليه" و"نفخ" لمن قادوا وقاموا باحتجاجات 25 يناير, ورفعهم إلى مصاف الآلهة, ورفع من "قتل" منهم إلى مصاف الشهداء, حتى أن البعض "فضلهم" عن شهداء حروب مصر السابقة بمن فيهم شهداء حرب أكتوبر, واسماهم البعض "شهداء الديمقراطية" والبعض الأخر سماهم "شهداء الحرية".
على أية حال فقد جاءت نتيجة الاستفتاء لترد على المزايدين ليس فى التليفزيون الرسمى فقط, بل على المزادين فى الصحف خاصة الصحافة "الحكومية", التى انقلبت 1800 درجة –ألف وثمانمائة درجة- من تأييد شامل لنظام الحكم فى عهد مبارك, إلى تأييد شامل لمن اسموهم "ثوار" 25 يناير, بصورة أقرب ما تكون إلى "الدعارة" الصحفية وهذا اللفظ ينطبق أيضا على السياسييين الذين ثاروا على نفس الوتيرة ومارسوا "الدعارة" السياسية, وأما التليفزيون فقد مارس "الدعارة" الإعلامية, وأما من يطلقون على أنفسهم كتابا ومفكرين وأدباء ممن انقلبوا أيضا 1800 درجة بعد "تنحية" مبارك فقد مارسوا "الدعارة" الفكرية والعقلية, وكل هذه "الدعارات" أكبر كثيرا وتأثيرها أكبر كثيرا من "الدعارة" الجنسية, فإذا كان النوع الأخير يمثل تأثيرا سلبيا على الشخص الذى يمارس هذا النوع من "الدعارة" فإن "الدعارة" السياسية والفكرية والصحفية والإعلامية أخطر بكثير لأنها تؤثر على المجتمع والوطن وعقل وفكر أفراد الوطن بأكمله.
لم تغب تلك التقلبات الحادة عن وعى الشعب المصرى حينما ذهب إلى صناديق الاستفتاء ليدلى بصوته فى الأحداث التى شهدتها مصر على مدى شهر ونصف تقريبا خسر فيها الاقتصاد المصرى نفس الأموال المنهوبة منه على ايدى أعوان نظام مبارك والمستفيدين منه أن لم يكن اكثر, ولم يغب عن ذهن المصريين الذين ذهبوا إلى صناديق الاستفتاء أنهم عانوا كثيرا من "تطبيل" هؤلاء "المنقلبون" لنظام مبارك ورموزه واستفادوا منه كثيرا, وفجأة انقلبوا إلى النقيض ليمارسوا نفس الدور مع من اطلقوا عليها "ثورة" 25 يناير.
لم يغب عن ذهن الشعب المصرى وهو امام صناديق الاستفتاء أن "نكسة" 25 يناير دمرت القيم والخلاق فى ميدان التحرير بشكل كبير, كما ان من كان فى ميدان التحرير مارس ديكتاتورية أشد إيلاما على المصريين من ديكتاتورية مبارك, خاصة وانها كانت ديكتاتورية من شباب قليلى الخبرة أن لم يكونوا من معدوميها, بخلاف التصاقهم بأمريكا, التى جندتهم للقيام بما طالبت به كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة, ورفض مبارك وقتها تلك التحركات التى سوف تمزق العالم العربى, وتحوله إلى كيانات صغيرة متناحرة ويؤثر على مستوى الشعوب العربية بصورة كبيرة.
ولم يغب عن ذهن الشعب المصرى أن أحداث ميدان التحرير فتحت الباب أمام الشعوب العربية لتقلد ما تم فيه وكان نتيجة ذلك عودة مكا يقرب من 200 ألف مصرى كانوا يعملون فى ليبيا إلى مصر وتوقف ما كانوا يحولونه من عملة صعبة للبلاد, كما جاء ميدان التحرير بالقوات الأمريكية إلى حدود مصر الغربية فى تهديد واضح للأمن القومى المصرى الذى صادر محاصرا شرقا بالكيان الصهيونى وشمالا وغربا بالقوات الأمريكية وجنوبا بالأصابع الصهيونية والأمريكية والأوروبية التى "تلعب" فى السودان ودول حوض النيل للتأثير على مصر اقتصاديا واستراتيجيا وعسكريا وزراعيا.
ولم يغب عن ذهن الشعب المصرى أيضا وهو يوافق على التعديلات الدستورية استضافة التليفزيون الرسمى لرموز علمانية وليبرالية ويسارية ومسيحية ترفض التعديلات الدستورية وتطالب بتعديل كامل له, وفقا للخطة الأمريكية التى اعلنتها هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية لمصر, من أن امريكا ترفض تعديل بعض مواد الدستور وتطالب بتعديل الدستور كاملا خاصة فيما يتعلق بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية وهى المواد التى تنص على الا يكون مرشح الرئاسة متزوجا من أجنبية أو حاملا لجنسية اخرى, وحثت بشكل فاضح وباسلوب فظ الشعب المصرى لرفض تلك التعديلات, فى تدخل مشين فى شأن مصرى داخلى.
فهم الشعب المصرى ان زيارة كلينتون والدعم الذى أعلنت عنه أمريكا واوروبا لم يكن لوجه الله أو بسبب حبهم للشعب المصرى, ولكنه دعم مشروط بفرض الديمقراطية المريكية بالشروط الأمريكية وفتح الباب لعملائها فى مصر للترشح لرئاسة الجمهورية, وخاصة دعمها المفضوح لمحمد البرادعى, الذى استقبله المصريون أمام لجنة الاستفتاء بالهتافات المعدية "يا برادعى يا جبان يا عميل الأمريكان", ولقنوه علقة بـ "الطوب" لم يلق مثلها من قبل, ولو التفاف رجال الأمن حوله لتم الفتك به, ولذهب من أمام لجنة مدرسة الشيماء بالمقطم إلى المستشفى على أقل تقدير إن لم يكن إلى المقبرة.
يعد ما لاقاه البرادعى دليلا واضحا على أن الشعب المصرى يعلم قواعد اللعبة جيدا, وانه لن يوافق على أن يحكمه الأمريكان عن طريق "قرضاى", وهو فى ذات الوقت جرس إنذار لكل "القرضايات" للامتناع عن الترشح لكرسى الرئاسة والا فسوف ينالون ما ناله شقيقهم "القرضاى" محمد البرادعى, ونقصد بالطبع أحمد زويل وفاروق الباز وأيمن نور وحمدين صباحى ومصطفى بكرى وعمرو خالد, فإن لم يكن هؤلاء جميعهم "قرضايات" فعلى أقل تقدير فهم "يلعبون" لمصالحهما الشخصية, ولا يطلبون من خلف كرسى الرئاسة سوى المصالح الشخصية وليس مصلحة الشعب أو الوطن.
لم يكن البرادعى فقط هو من تعرض للضرب والقذف بالحجارة ولكن تعرض فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق لنفس الاستقبال المهين, مما يؤكد أن الشعب المصرى لا يرفض فقط "قرضايات" أمريكا ولكنه يرفض أيضا رموز نظام مبارك, الذين لاقوا على أيديهم كثيرا من الظلم والهوان فى كافة مناحى الحياة, والهبوا ظهورهم بكرابيج الأسعار والضرائب حتى صار نصف المصريين تحت خط الفقر بينما هم  كانوا يستولون على أراضى وأموال بل ومستقبل الشعب.
رغم الفساد الذى كان الشعب يعيش فيه فى عهد نظام مبارك الا أنهم لم يفقدوا الشعور بالأمن طوال عهده وطوال عهد السادات أى ما يقرب من اربعين عاما متواصلة نعموا فيها بالأمن والأمان وفجأة وخلال عدة أيام فقدوا كل شعور بالأمن على كل شىء بداية من الممتلكات إلى الأرواح إلى الأبناء والزوجات والأقارب, وشعور الأمن لدى المصريين له أهمية قصوى حتى لو كانوا يعيشون فى ظل نظام فاسد ولكنه يوفر لهم الأمان فهو افضل لهم من نظام ديقراطى وحرية على الطريقة الأمريكية ولكن لا يشعرون فيه بالأمن أيضا على الطريقة الأمريكية, فمشاهد أسبوعين من فقدان الأمن والأمان تحولت فيها مصر إلى أكثر من شيكاغو كفيلة بأن يلعنوا ميدان التحرير وكل من كان فيه وكل من قام بـ "نكسة" 25 يناير حسب تعبيرهم.
لم يكن الموافقة على التعديلات وليدة تاثير خطباء المساجد أو جماعة دينية مثل الإخوان المسلمين أو الجماعات السلفية او غيرها من الجماعات الدينية, او بسبب أن تلك التعديلات لن تحقق لهم الديقراطية, ولكن لأنهم شعروا أن تلك التعديلات كافية فى تلك المرحلة خاصة وأن تلك التعديلات جاءت بأكثر مما طالب به "بتوع" التحرير, فقد حدد مدة الرئاسة وقصرها على 4 سنوات فقط, وأبعد شبح التوريث الكئيب, مثلما ابعد شبح "القرضايات" الأمريكيين عن كرسى الرئاسة, فما هو المطلوب أكثر من ذلك فى تلك المرحلة؟.
غاب عن كل المحللين الذين استضافهم التليفزيون الرسمى ومن اطلوا على الشعب المصرى عبر الفضائيات أن الشعب المصرى يميل إلى الاستقرار, ولا يحب التقلبات السريعة والفجائية, فهو شعب مسالم ومتدين, ولذلك شعر بالخبث من وراء الالحاح على تعديل الدستور كاملا وفى تلك المرحلة المضطربة وغير المستقرة امنيا وسياسيا ليس على المستوى الداخلى فقط ولكن على مستوى المحيط العربى كله, وترقب القوى الخارجية وتحينها للفرصة للانقضاض على مصر, ويكفى دليى على ذلك تأهب القوات الأمريكية فى البحرين الأحمر والمتوسط بالقرب من الشواطىء المصرية, وتأهب القوات الصهيونية على الحدود الشرقية, ودخول عناصر من حماس وحزب الله إلى رفح المصرية والعريش وقيامهم بالأعتداء على المصريين واحتلالهم لمنازل وعمارات بالقوة بعد طرد المصريين منها؟!! بخلاف ما حدث من بوروندى واستغلالها للوضع المصرى المتأزم وتوقيعها على الاتفاقية الطارية لدول حوض النيل لاقتسام جزء من حصة مصر فى مياه النيل, وبناء أثيوبيا لعدد من السدود على منابع النيل مما يؤثر بالطبع على حصة مصر من المياة وبالتالى تأثر الزراعة والمحاصيل المصرية.
لم تغب ايضا عن ذهن المصريين المسلمين محاولات شنودة والكنيسة استغلال الوضع فى مصر وتأجيج مشاعر المسيحيين لفرض مايطالبون به من بناء غير محدد للكنائس وضم أراضى بلا حدود للأديرة, واقتسام المراكز العليا فى البلاد مع المسلمين رغم ان عددهم لا يتجاوز 4.5 بالمائة من تعداد المصريين, ومطالبتهم ان يكون لهم رأى فى تعديل الدستور, وضم بعض المسيحيين غلى لجنة التعديل, وحذف المادة الثانية منه أو اضافة فقرة ليكون لهم الحق فى ان تكون المسيحية أيضا جزء من التشريع المصرى, رغم ان المسيحية ليست ديانة وليس بها تشريع لأنها عبارة عن وصايا أخلاقية لا أكثر ولا أقل, فعلى سبيل المثال لا تجد فيها هذا حلال وهذا حرام, كما لا تجد فيها افعل ولا تفعل, كما أن المسيحيين منذ العهود الإسلامية المبكرة يعتمدون على الشريعة الإسلامية فى فض المنازعات المختلفة بينهم.
هكذا خرج المصريون ليدلون بأصواتهم ضد "نكسة" 25 يناير وضد الكنيسة وضد "القرضايات" وضد أمريكا وضد العلمانيين وضد اليساريين وضد الليبراليين.
خرج المصريون ليقولوا لا للفوضى.. لا لديكتاتورية مجموعة من الشباب الغير ناضج والذى تم تسميم أفكاره, ضد بلاده.. لا للتبعية الأمريكية.. لا لديكتاتورية الأقلية.. لا للدولة الدينية المسيحية التى يريد شنودة وكنيسته فرضها على المصريين.. لا لقرضايات امريكا.. لا لبلطجة المسيحيين باسم الحرية, والديقراطية.. لا لكل المزايدين على مصر.. على الإسلام.. على المسيحيين.. على المصريين.. لا لكل مكن يمارس "الدعارة" بكافة انواعها.
خرج المصريون الصامتون ليقولوا للجميع: نحن أدرى بمصالح مصر من الجميع.. نحن الذين نتحكم فى مصيرنا وليس القلة مهما كانت.. مهما رفعت من شعارات.. مهما استعانت واستقوت بالخارج.. مهما كان صوتها عاليا..
خرج المصريون عن صمتهم ليقولوا للجميع: كفانا فوضى.. كفانا بلطجة.. نريد أن نحيا فى مصر.. مصر المستقرة.. مصر الآمنة.. مصر الحضارة.. مصر الكبيرة.. وليست مصر التى يحركها "شوية عيال" أو "قرضايات".
كانت نتيجة الاستفتاء جاءت لصالح المصوتين بـ "نعم" حيث حضر من بين 45 مليون مواطن له حق التصويت, 18 مليونا, صوت منهم 14 مليونا بـ "نعم", بنسبة 77 بالمائة, بينما صوت 4 ملايين مواطن بـ "لا", بنسبة 23 بالمائة, أى أن ثلاثة أرباع المصريين يوافقون على التعديلات, بينما يرفض ربعهم.
بهذه النتيجة يتضح أن من قاموا باحتجاجات ميدان التحرير أقلية, كما أكدنا من قبل فى عدة مقالات, وأنهم يمثلون أقلية حتى لو وصل عدد من تظاهر منهم إلى عشرة ملايين مواطن, فسوف يظلون أقلية, وسط 80 مليون مواطن هم تقريبا عدد المصريين, ولهذا ننبه ونقول:
أيها السادة:
حذار من الصامتين.
حذار من ردة فعلتهم.
لقد استهنتم بهم فى ميدان مصطفى محمود وميدان الكوربة, وتجاهل التليفزيون الرسمى مطالبهم, ورغم ذلك تعاملوا بكل رقى وتحضر وردوا على هذا التجاهل فى صناديق الاستفتاء, وسوف يردون على تلك "الدعارة" الإعلامية والسياسية والصحفية والفكرية فى صناديق انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى وانتخابات الرئاسة.
أيها السادة:
المصريون الصامتون, لا يخربون.. لا يشتمون.. لا يرفعون أصواتهم.. أنهم القوة الناعمة التى تؤثر فى مستقبل مصر.. فحذار أن تغضب.. وحذار أن تفرض عليهم قرارات أو اشخاص..
أيها السادة:
نتيجة الاستفتاء تحذير للجميع: الصامتون قادمون...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق