مصر تتخلص من "أولاد الحرام"
كتب محمود خليل:
لا شك أن مصر تعانى وبشدة منذ فترة من تدهور حاد فى أحوال المصريين بسبب انتشار الفساد فى كافة قطاعات الدولة فبدون الرشوة والواسطة لا يمكن لك أن تنجز مهمة, وسادت السرقات والاختلاسات حتى أن الشريف صار هو الاستثناء والسارق هو القاعدة, وأما اللامبالاة فسادت بين الشعب وكأنهم لا يعيشون فى بلدهم!!
إذا تساءلنا عن السبب فالإجابة بالطبع ابحث عن المسئولين, فإذا صلح المسئول صلح الشعب, وإذا كان الكبار فاسدون مفسدون صار الشعب كذلك.
لفت نظرنا أثناء قراءة كتاب عبد الرحمن الجبرتى الجبرتى المؤرخ النابه المسمى "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار" عن تأثير المسئول على الشعب وكيف إنه إذا صلح المسئول صلحت الرعية.
يقول الجبرتى: "على بيك الكبير ما كان يجالس إلا أهل الوقار والحشمة والمسنين.. ويتتبع المفسدين والذين يتداخلون فى القضايا والدعاوى ويتحيلون على إبطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد والإهانة والقتل والنفى إلى البلاد البعيدة ولم يراع فى ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو كاتبا أو قاضيا أو غير ذلك بمصر, أو غيرها من البنادر والقرى وكذلك المفسدون وقطاع الطريق, من العرب وأهل الحوف, وألزم أرباب الإدراك والمقادم بحفظ نواحيهم وما فى حوزهم وحدودهم وعاقب الكبار بجناية الصغار, فأمنت السبل وانكفت أولاد الحرام وانكمشوا عن قبائحهم وإيذائهم بحيث أن الشخص كان يسافر بفرده ليلا راكبا أو ماشيا ومعه حمل الدراهم والدنانير إلى أى جهة ويبيت فى الغيط أو البرية آمنا مطمئنا لا يرى مكروها أبدا, وكان عظيم الهيبة اتفق لأناس ماتوا فرقا من هيبته, وكان شديد الفراسة شديد الحذق يفهم ملخص الدعوى الطويلة بين المتخاصمين ولا يحتاج فى التفهيم إلى ترجمان أو من يقرأ له الصكوك والوثائق بل يقرؤها بنفسه كالماء الجارى ولو كان خطها سقيما ولا يختم ورقة حتى يقرأها ويفهم مضمونها ثم يمضيها أو يمزقها".
فعلى بك الكبير كان يتابع المفسدين ويعاقبهم كما كان يعاقب الكبار إذا تعدوا حدودهم أو أهملوا فى واجباتهم حتى إن الموظفين الصغار إذا أخطأوا فإنه يعاقب الكبار, وليس كما يحدث فى الحاضر بالبحث عن موظف صغير ليكون "فداء" للمسئول الكبير, وكان على بك يقرأ كل شىء بنفسه فلا يترك شيئا لمديرى مكتبه أو يجعل موظفيه حجابا بينه وبين الرعية.
يشير الجبرتى إلى أن الحاكم حينما تصرف على هذا النحو صار الأمان هو عنوان البلاد, ولم يعد هناك "أولاد حرام" يعنى الفاسدين والمفسدين الذين نعانى منهم فى حاضرنا, وقضى على "قبائحهم" التى يقومون بها, مثل الاحتكار والهرب بأموال البنوك وبيع شركات القطاع العام والاستيلاء على أراضى الدولة وأفعال بعض رجال الأعمال الشاذة وغير ذلك.
هذا المقال نشرته يوم 31 مايو 2010 بجريدة "الأحرار" ومدونة "ابن مصر", واليوم يتم محاكمة رموز الفساد والمفسدين, ولذلك يحق لنا ان نقول للجبرتى: نعم هانىء البال, فمصر بدأت تتخلص من "أولاد الحرام".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق