"شطب" مبارك دعوة مجنونة ومتخلفة وترسيخ لثقافة التشفى والغل والأحقاد

بعد الحكم برفع اسمه وزوجته وصورتيهما

محو اسم وانجازات الحاكم "عادة" فرعونية رسخها عبد الناصر

"شطب" مبارك دعوة مجنونة ومتخلفة وترسيخ لثقافة التشفى والغل والأحقاد

كتب محمود خليل:

قضت محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة، برئاسة المستشار محمد حسن عمر، بإلزام رئيس الوزراء، بصفته رئيس الحكم المحلى، برفع اسم الرئيس حسنى مبارك وزوجته وصورتيهما من جميع الميادين والشوارع والمدارس والمكتبات والجمعيات وجميع المنشآت العامة فى جميع أنحاء الجمهورية.

قالت المحكمة فى حيثيات حكمها: إن شرعية الدستور الفاسد انتهت، وبدأت شرعية الثوار التى تنادى بمحاسبة الفاسدين والقضاء على الرشوة والمحسوبية، وإقامة عهد جديد وحياة سياسية تقوم على الديمقراطية والنزاهة, مؤكدة أن الشعب اكتشف رحلة فساد مبارك التى بدأت من المنصة وانتهت فى ميدان التحرير.

كانت جلسة المحكمة شهدت أثناء نظرى الدعوى صداماً دائماً بين مؤيدي الرئيس السابق ومعارضيه، الذين يحرصون على حضور المحاكمة والتظاهر أمام محكمة عابدين، ووصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي والطوب، مما استدعى تدخل الشرطة والجيش لوقف المصادمات, بينما لم تشهد جلسة النطق بالحكم أي مشاجرات.

من جانبه يقول المحامي سمير صبري الذي رفع الدعوى إن المحكمة انتهت في حيثيات حكمها أنه تحقق لديها بيقين قاطع وتفاعلا منها مع القانون والشارع أن وجود هذه الأسماء واستمرار تواجدها في منشآت الدولة يمثل استفزازا لمشاعر الناس في الشارع المصري لاسيما وأن رموز هذا النظام قابعة في السجون بتهم الفساد.

من جهته، أكد الدكتور أحمد السمان، المستشار الإعلامى لرئيس الوزراء، أن مجلس الوزراء سوف يحترم الحكم القضائى الخاص برفع اسم الرئيس السابق حسنى مبارك من جميع المنشآت العامة، فى إطار التزام المجلس بأحكام القضاء، مشيراً إلى أنه سوف يتم البت فى اتخاذ الإجراءات لتنفيذ القرار فى أقرب وقت وبمجرد وصوله إلى المجلس.

من جهة أخرى، تدرس وزارة النقل تغيير اسم محطة مترو مبارك، وتفاضل حاليا بين ٢٥ يناير والشهداء وذلك فى أول استجابة لحكم المحكمة.

كانت حملة الدعوة لـ "شطب" اسم الرئيس مبارك بدأت على الفيس بوك بالدعوة إلى إزالة اسمه من محطة مترو الأنفاق, حيث قام بعض الشباب بشطب اسمه داخل المترو ووضع اسم "الشهداء", أو لصق "استيكر" بدلا من اسمه, يحمل اسم "الشهداء"!!

اتسعت حملة إزالة الاسم لتشمل حملات أخرى تحت عنوان "شطب الرئيس" لإزالة اسمه وصوره من على كل المنشآت. لمحو كل ما يمكن أن يذكرهم بالرئيس السابق وأيامه، فضلاً عن كون الحملة عقوبة شعبية لمبارك على أفعاله طوال الـ٣٠ عاماً الماضية.

رصد شباب الحملة على صفحتهم عدد المنشآت التى أزالوا من عليها اسم الرئيس السابق، والتى بلغت ٥٠ منشأة حتى الآن، كما حطموا وجه الرئيس السابق فى التمثال العملاق الكائن فى ٦ أكتوبر والذى يجمعه بالرئيس الراحل أنور السادات، والعالم المصرى الدكتور أحمد زويل والأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ باستخدام الشنيور, كما أزالوا اسمه من على مجمع مدارس مبارك فى مدينة نصر، وسموه مجمع مدارس شهداء ٢٥ يناير.

يذكر أن "عادة" محو اسم الزعماء والرؤساء, عادة فرعونية منذ أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد حيث يذكر لنا التاريخ أن كل فرعون كان يتولى السلطة كان يزيل كل إنجازات الفرعون السابق له فيمحو اسمه من فوق المعابد ويضع اسمه هو بدلا منه!! والمعابد تشهد على هذا التزوير والذى يكشف هذا التزوير أن بعذ الإنجازات المسجلة على المعابد منسوبة لبعض الفراعنة بينما تلك الإنجازات حدثت قبل توليهم السلطة!!, بخلاف وضوح عملية "الشطب" و"الإزالة", بصورة فاضحة.

لم تشهد العصور الإسلامية والعصور الحديثة المبكرة, منذ عهد محمد على باشا, وحتى عهد الملك فاروق, ولكنها عادت وبصورة "مفضوحة" فى عهد عبد الناصر الذى تصرف بشكل فيه غل وتشفى, نقله إلى الشعب, حيث قام بتغيير أسماء كل الشوارع والميادين والمعاهد التعليمية والمنشآت الحكومية التى تحمل اسم العائلة المالكة السابقة, وهو ما رسخه عبد الناصر فى لاشعور المصريين, والذى خرج إلى اللاشعور بعد أحداث 25 يناير, حيث دعا احفاد عبد الناصر بنفس "الغل" و"التشفى" لمحو كل اسم مبارك من فوق كل المدارس والجوائز والمنشآت الحكومية, ليس ذلك فحسب بل دعا البعض إلى "شطب" حقبة مبارك كاملة من التاريخ ومن ذاكرة المصريين, وهو ما يذكرنا بحملة عبد الناصر الذى قاد حملة شعواء لمحو السيرة الملكية العلوية من ذاكرة المصريين, ولكنه للأسف لم ينجح رغم مرور أكثر من 60 عاما على "ثورته" الأمريكية, فمازال المصريون "يحنون" إلى العهد الملكى, ويطالبون بعودة الملكية إلى مصر, و"شطب" الحقبة الناصرية تماما من ذاكرتهم وتاريخهم!!, كما قاد حملة ممائلة لمحو اسم اللواء محمد نجيب قائد حركة يوليو 52, واستطاع أن يحل اسمه كزعيم وقائد للحركة "الثورة", غير إن التاريخ أعاد كل شىء إلى أصله, وعلم الشعب خاصة الشباب دور محمد نجيب, وإنه كان أول رئيس للجمهورية عقب حركة انقلاب الجيش فى يوليو 52.

إن ابتعاث تلك "العادة" الفرعونية إلى ذاكرة المصريين فى حقبة عبد الناصر, يكمن خلفها خطورة بالغة, لأن التاريخ ليس "لعبة", ولنه لا يستطيع أحد أن يمحو عاما واحد, من تاريخ مصر والمصريين, مثلما لن ينجح أحد من "شطب" و"محو" إنجازا واحد لرئيس حكم مصر, فما بالنا وقد حكمها على مدى 30 عاما, وله إنجازا فى كل شبر من أرض الوطن؟!

إننا يجب أن نفرق بين تصرفات الرئيس وبين إنجازاته, فما قام به الرئيس لم يقم به بيده, ولكن الشعب المصرى هو من حقق تلك الإنجازات بيده وعرقه وجهده, ولذلك فإن دعوة البعض لهدم كل إنجازات مبارك, والبناء من جديد, دعوة مجنونة ومتخلفة, وتحتوى على خطورة بالغة, تدفع البلاد إلى الهاوية الاقتصادية والتكنولوجية, وتثير وترسخ ثقافة التشفى والغل والأحقاد والضغائن, مما يمثل خطورة بالغة على الأجيال الحالية والقادمة نفسيا واجتماعيا.

إذا نظرنا إلى البلاد التى سبقتنا فى المدنية ولا أقول الحضارة, مثل فرنسا وانجلترا وأمريكا وايطاليا واليونان وروسيا وألمانيا وسويسرا والنمسا وغيرها, لن نجد اسما من أسماء شوارعها أو منشآتها أو ميادينها, تم تغييره منذ عصور النهضة, فهى مازالت تحتفظ بالاسم, والصور, والمبنى, رغم أن بعض ملوك وحكام تلك الدول اذاق شعوبهم الويلات.

أما ما يثير دهشتنا فإن أحدا من حكام مصر طلب أن يطلق اسم على منشأة من المنشآت التى تمت فى عهده, ولكن المنافقين –وهم من الشعب- هم من اطلقوا اسم الحاكم أو الرئيس على مدرسة او مصنع أو شارع أو مدينة, وإذا كان لابد من محاكمة فكان الأولى محاكمة هؤلاء المنافقين, وليس محاكمة الحاكم.

إن اطلاق أسماء الحكام يجب أن يخضع لأحكام وشروط وقوانين, لمنع تلك الحملات التى انتشرت فى عهد عبد الناصر ثم بعد "تنحية" مبارك, وذلك بسن قانون يمنع اطلاق اسم حاكم أو مسئول طوال حياته على أى منشآة, وأن يتم اطلاق الأسماء من خلال لجنة تختص بالتسميات فى مجلس الشعب أو لجنة التسميات فى المحافظات أو من خلال طلب يوقع عليه عدد معين من أعضاء مجلس الشعب أو المجلس المحلية, أو المواطنين.

كما يجب إصدار قانون بمنع وضع صور الحاكم فى الميادين والشوارع والمنشآت الحكومية منعا تاما ويستبدل به علم مصر, لأنه البقى, والذى لا خلاف عليه.